| تفسير سورة البقرة | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:24 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 19 (أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين "19") وقول الحق سبحانه وتعالى: "أو كصيب من السماء" .. الصيب هو المطر .. والله تبارك وتعالى ينزل الماء فتقوم به الحياة .. مصداقا لقوله جل جلاله:
{وجعلنا من الماء كل شيء حيٍ } (من الآية 12 سورة الأنبياء)
ومن البديهي أننا نعرف أن إنزال المطر .. هو من قدرة الله سبحانه وتعالى وحده .. ذلك أن عملية المطر فيها خلق بحساب .. وفيها عمليات تتم كل يوم بحساب أيضا .. وفيها عوامل لا يقدر عليها إلا الله سبحانه وتعالى .. فمسألة المطر أعدت الأرض لها حين الخلق .. فكانت ثلاثة أرباع الأرض من الماء والربع من اليابسة .. لماذا؟ من حكم الله في هذا الخلق أن تكون عملية البخر سهلة وممكنة .. ذلك أنه كلما اتسع سطح الماء يكون البخر أسهل .. وإذا ضاق السطح تكون عملية البخر أصعب .. فإذا جئنا بكون مملوء بالماء ووضعناه في حجرة مغلقة يوما .. ثم عدنا إليه نجد أن حجم الماء نقص بمقدار سنتيمترات أو أقل .. فإذا أخذنا الماء في هذا الكوب وقذفناه في الحجرة .. فأنه يختفي في فترة قصيرة .. لماذا؟ .. لأن سطح الماء أصبح واسعا فتمت عملية البخر بسرعة.. والله سبحانه وتعالى حين خلق الأرض .. وضع في الخلق حكمة المطر في أن تكون مساحة الماء واسعة لتتم عملية البخر بسهولة .. وجعل أشعة الشمس التي تقوم بعملية البخر من سطح الماء .. وتم ذلك بحساب دقيق .. حتى لا تغرق الأمطار الأرض أو يحدث فيها جفاف .. ثم سخر الريح لتدفع السحاب إلي حيث يريد الله أن ينزل المطر .. وقمم الجبال الباردة ليصطدم بها السحاب فينزل المطر .. كل هذا بحساب دقيق في الخلق وفي كل مراحل المطر.. ومادام الماء هو الذي يه الحياة على الأرض .. فقد ضرب الله لنا به المثل كما ضرب لنا المثل بالنار وضوئها .. فكلها أمثلة مادية لتقرب إلي عقولنا ما هو غيب عنا .. فالماء يعطينا الحياة.. لكن هؤلاء المنافقين. لم يلتفتوا إلي هذا الخير. الذي ينزل عليهم من السماء من غير تعب أو جهد منهم. بل التفتوا إلي أشياء ثانوية، كان من المفروض أن يرحبوا بها لأنها مقدمات خير لهم. فالمطر قبل أن ينزل من السماء لابد أن يكون هناك شيء من الظلمة في السحاب الذي يأتي بالمطر. فيحجب أشعة الشمس أن كنا نهارا. ويخفي نور القمر والنجوم أن كنا ليلا. هذه الظلمة مقدمات الخير والماء.. إنهم لم يلتفتوا إلي الخير الذي ملأ الله به سبحانه وتعالى الأرض. بل التفتوا إلي الظلمة فنفروا من الخير .. كذلك صوت الرعد ونور البرق. الرعد يستقبله الإنسان بالأذان وهي آلة السمع. والبرق تستقبله العين .. وصوت الرعد قوي، أقوى من طاقة الأذن. ولذلك عندما يسمعه الإنسان يفزع، ويحاول أن يمنع استقبال الأذن له، بأن يضع أنامله في أذنيه. وهؤلاء المنافقون لم يضعوا الأنامل. ولكن كما قال الله سبحانه وتعالى: "يجعلون أصابعهم في آذانهم" ولم يقل أناملهم. وذلك مبالغة في تصوير تأثير الرعد عليهم فكأنهم من خوفهم وذعرهم يحاول كل واحد منهم أن يدخل كل إصبعه في أذنه. ليحميه من هذا الصوت المخيف. فكأنهم يبالغون في خوفهم من الرعد. ونلاحظ هنا أن الحديث ليس عن فرد واحد، ولكن عن كثيرين .. لأنه سبحانه وتعالى يقول "أصابعهم" نقول أن الأمر لجماعة يعني أمراً لكل فرد فيها، فإذا قال المدرس للتلاميذ أخرجوا أقلامكم، فمعنى ذلك أن كل تلميذ يخرج قلمه .. وإذا قال رئيس الجماعة اركبوا سياراتكم، فمعنى ذلك أن كل واحد يركب سيارته .. لذلك فإن معنى "يجعلون أصابعهم في آذانهم" أن كل واحد منهم يضع إصبعيه في أذنيه.. لماذا يفعلون ذلك؟! أنهم يفعلون خوفا من الموت. لأن الرعد والبرق يصاحبهما الصواعق أحيانا، ولذلك فإنهم من مبالغتهم في الخوف يحس كل واحد منهم أن صاعقة ستقتله .. فكأنهم يستقبلون نعمة الله سبحانه وتعالى بغير حقيقتها .. هم لا يرون النعمة الحقيقية في أن هذا المطر يأتي لهم بعوامل استمرار الحياة. ولكنهم يأخذون الظاهر في البرق والرعد. وكذلك المنافقون .. لا يستطيع الواحد منهم أن يصبر على شهوات نفسه ونزواتها .. أنه يريد ذلك العاجل ولا ينظر إلي الخير الحقيقي الذي وعد الله به عباده المؤمنين في الآخرة .. وهو ينظر إلي التكاليف كأنها شدة ومسألة تحمل النفس بعض المشاق. ويغفل عن حقيقة جزاء التكاليف في الآخرة. وكيف أنها ستوفر لهم النعيم الدائم .. تماما كما ينظر الإنسان إلي المطر على أنه ظلمة ورعد وبرق، وينسى أنه بدون هذا المطر من المستحيل أن تستمر حياته.. هم يأخذون هذه الظواهر على أنها كل شيء. بينما هي في الحقيقة تأتي لوقت قصير وتختفي، فهي قصيرة كالحياة الدنيا، وقتية. ولكن نظرتهم إليها وقتية ومادية لأنهم لا يؤمنون إلا بالدنيا وغفلوا عن الآخرة .. غفلوا عن ذلك الماء التي يبقى فترة طويلة، وتنبهوا إلي تلك الظواهر الوقتية التي تأتي مع المطر فخافوا منها وكان خوفهم منها يجعلهم لا يحسون بما في المطر من خير. والمنافقون يريدون أن يأخذوا خير الإسلام دون أن يقوموا بواجبات هذا الدين!! ثم يلفتنا الحق سبحانه وتعالى إلي قضية هامة. وهي أن خوفهم من زوال متع الدنيا ونفوذها لن يفعل لهم شيئا. لأن الله محيط بالكافرين .. والإحاطة معناها السيطرة التامة على الشيء بحيث لا يكون أمامه وسيلة للإفلات، وقدرة الله سبحانه وتعالى محيطة بالكافرين وغير الكافرين .. إذن عدم التفاتهم للنفع الحقيقي، وهو منهج الله، لا يعطيهم قدرة الإفلات من قدرة الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:25 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 20 (يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيءٍ قدير "20") أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلي أن البرق الذي هو وقتي وزمنه قليل. هو الذي يسترعى انتباههم. ولو آمنوا لأضاء نور الإيمان والإسلام طريقهم. ولكن قلوبهم مملوءة بظلمات الكفر فلا يرون طريق النور .. والبرق يخطف أبصارهم، أي يأخذها دون إرادتهم. فالخطف يعني أن الذي يخطف لا ينتظر الإذن، والذي يتم الخطف منه لا يملك القدرة على منع الخاطف. والخطف غير الغصب. فالغصب أن تأخذ الشيء رغما عن صاحبه. ولكن .. ما الفرق بين الأخذ والخطف والغصب؟. الأخذ أن تطلب الشيء من صاحبه فيعطيه لك. أو تستأذنه. أي تأخذ الشيء بإذن صاحبه. والخطف أن تأخذه دون إرادة صاحبه ودون أن يستطيع منعك. والغصب أن تأخذ الشيء رغم إرادة صاحبه باستخدام القوة أو غير ذلك بحيث يصبح عاجزا عن منعك من أخذ هذا الشيء. ولنضرب لذلك مثلا ولله المثل الأعلى. إذا دخل طفل على محل للحلوى وخطف قطعة منها، يكون صاحب المحل لا قدرة له على الخاطف لأن الحدث فوق قدرات المخطوف منه، فهو بعيد وغير متوقع للشيء، فلا يستطيع منع الخطف .. أما الغصب فهو أن يكون صاحب المحل متنبها ولكنه لا يملك القدرة على منع ما يحدث، وإذا حاول أن يقاوم .. فإن الذي سيأخذ الشيء رغما عنه لابد أن يكون أقوى منه، أي أن قوة المغتصب، تكون أقوى من المغتصب منه. وقوله تعالى: "يكاد البرق يخطف أبصارهم". لابد أن نتنبه إلي قوله تعالى "يكاد" أو يقترب البرق من أن يخطف أبصارهم. وليس للإنسان القدرة أن يمنع هذا البرق من أن يأخذ انتباه البصر. وقوله تعالى "كلما أضاء لهم مشوا فيه". أي أنهم يمشون على قدر النور الدنيوي. الذي يعطيه لهم البرق. فلا نور في قلوبهم. ولذلك إذا أظلم عليهم توقفوا، لأنه لا نور لهم. وقوله تعالى "ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم". يدعي بعض المستشرقين أن ذلك يتعارض مع الآية الكريمة التي تقول "صم بكم عمي فهم لا يرجعون" كيف يكونون صما بكما عميا .. أي أن منافذ الإدراك عندهم لا تعمل، ونحن هنا نتحدث عن العمى الإيماني، ثم يقول تبارك وتعالى "ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم" مع أنهم صم وبكم وعمي؟.. نقول أن قول الحق سبحانه وتعالى: "صم بكم عمي" أي لا يرون آيات الله ويقين الإيمان، ولا يسمعون آيات القرآن ويعقلونها .. إذن فوسائل إدراكهم للمعنويات تتعطل. ولكن وسائل إدراكهم بالنسبة للمحسات تبقى كما هي. فالمنافق الذي لا يؤمن بيوم القيامة، لا يرى ذلك العذاب الذي ينتظره في الآخرة. ولو شاء الله سبحانه وتعالى أن يذهب بسمعهم وأبصارهم. بالنسبة للأشياء المحسة. لاستطاع لأنه قادر على كل شيء، ولكنه سبحانه وتعالى لم يشأ ذلك. حتى لا يأتوا مجادلين في الآخرة، من أنهم لو كان لهم بصر لرأوا آيات الله. ولو كان لهم سمع لتدبروا القرآن. فأبقى الله لهم أبصارهم وأسماعهم. لتكون حجة عليهم، بأن لهم بصرا ولكنهم انصرفوا عن آيات الله إلي الأشياء التي تأتيهم بفائدة عاجلة في الدنيا مهما جاءت بغضب الله. وأن لهم سمعا يسمعون به كل شيء من خطط المؤامرات على الإسلام. وضرب الإيمان وغير ذلك. فإذا تليت عليهم آيات الله فأنهم لا يسمعونها. وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى:
{ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أتوا العلم قال آنفاً} (من الآية 16 سورة محمد)
أي أنهم يسمعون ولا يعقلون ولا يدخل النور إلي قلوبهم، فكأنهم صم عن آيات الله لا يسمعونها. والحق سبحانه وتعالى يريد أن يعطينا مثل المنافقين بأنهم لا يلتفتون إلي القيم الحقيقية في الحياة. ولكنهم يأخذون ظاهرها فقط. يريدون النفع العاجل، وظلمات قلوبهم. لا تجعلهم يرون نور الإيمان. وإنما يبهرهم بريق الدنيا مع أنه زائل ووقتي. فيخطف أبصارهم. ولأنه لا نور في قلوبهم، فإذا ذهبت عنهم الدنيا، تحيط بهم الظلمات من كل مكان لأنهم لا يؤمنون بالآخرة. مع أن الله سبحانه وتعالى لو شاء لذهب بسمعهم وأبصارهم، لأنهم لا يستخدمونها الاستخدام الإيماني المطلوب. والمفروض أن وسائل الإدراك هذه. تزيدنا إيمانا .. ولكن هؤلاء لا يرون إلا متاع الدنيا. ولا يسمعون إلا وسوسة الشيطان، فالمهمة الإيمانية لوسائل الإدراك توقفت، وكأن هذه الوسائل غير موجودة | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:26 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 21 (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون "21") بعد أن حدثنا الله سبحانه وتعالى عن صفات المنافقين في ثلاث عشرة آية وأعطانا أوصافهم الظاهرة. وأعطانا أمثله لما يحدث في قلوبهم كي يعرفهم المؤمنون ظاهرا وباطنا. ويحذروهم ولا يأمنوا لهم. بين لنا كيف أن المنافقين لم يكفروا بالله كإله فقط. ويستروا وجوده، ولكن كفروا به كرب. والرب عطاؤه مكفول لكل من خلق مؤمنهم وكافرهم، فهو سبحانه وتعالى الذي استدعاهم للوجود وخلقهم. ولذلك فإنه سبحانه يضمن لهم رزقهم وحياتهم. والله سبحانه وتعالى لا يحرم خلقا من خلقه من عطاء ربوبيته في الدنيا. فالشمس تشرق على المؤمن والكافر. والمطر ينزل على من قال لا إله إلا الله ومن ستر وجوده تعالى: والهواء يتنفس به ذلك الذي يقيم الصلاة والذي لم يركع ركعة في حياته .. والطعام يأكله الذي يحب الله والذي يكفر بنعم الله .. ذلك أن هذه عطاءات ربوبية يعطيها الله تعالى لكل خلقه في الدنيا.. أما عطاءات الألوهية، فهي للمؤمنين في الدنيا والآخرة. فالله سبحانه وتعالى يلفت انتباه خلقه إلي أن عطاء الربوبية من الله سبحانه وتعالى لهم يكفي ليؤمنوا بالله ويعبدون. والحق سبحانه وتعالى حينما يخاطب الناس في القرآن الكريم، ذلك الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلابد أن يكون الخطاب للناس في كل زمان ومكان. منذ نزول القرآن الكريم إلي يوم القيامة. وخطاب الله سبحانه وتعالى خاص بقضية الإيمان في القمة، وهي الخضوع لإله واحد لا شريك له. وقوله تعالى "الذي خلقكم والذي من قبلكم" معناه أن من مقتضيات العبادة. أن الله هو خالق الناس جميعا. وليس في قضية الخلق كما قلنا شبهة، لأنه لا أحد يستطيع أن يدعي أنه خلق نفسه، أو خلق هذا الكون، بل إن الحق سبحانه وتعالى يطلب منا أن نحترم السببية المباشرة في وجودنا فالأب والأم هنا سبب في وجود الإنسان. فنجد الله سبحانه وتعالى يقول:
{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً "23"} (سورة الإسراء)
وهكذا نرى أن الحق قد احترم السببية في الموجد، مع أنه سبحانه وتعالى الموجد الذي خلق كل شيء. ولكن الله يحترم عمل الإنسان. مع أنه سبب فقط، فالمال هو مال الله، يعطيه لمن يشاء. لكننا نجد الحق سبحانه وتعالى هو يحث على الصدقة يقول:
{من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً } (من الآية 245 سورة البقرة)
فكأنه سبحانه احترم عمل الإنسان في الحصول على المال، رغم أن المال مال الله. فقال وهو الخالق الأعظم: "من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا" وهكذا تتجلى رحمة الحق بالخلق. الله يقول: "ولعلكم تتقون" نتقي ماذا؟ نتقي صفات الجلال في الله. فالله سبحانه وتعالى له صفات جلال وصفات جمال، صفات الجلال هي "الجبار والقهار والمتكبر والقوي والقادر والمقتدر والضار" وغيرها من صفات الجلال. فالله سبحانه وتعالى يريدنا أن نجعل بيننا وبين صفات الجلال وقاية حتى لا نغضب الله، فيعاملنا بمتعلقات صفات جلاله، وأن نتمسك بصفات جمال الله: الرحيم الودود، الغفار، التواب، فإذا نجحنا في ذلك كان لنا نجاة من النار التي هي أحد جنود الله، ومتعلقات جلاله. على أننا لابد أن نتنبه إلي أن الله سبحانه وتعالى حينما يقول "يا أيها الناس" إنما يخاطب كل الناس، فإذا أراد الحق سبحانه وتعالى مخاطبة المؤمنين قال: "يا أيها الذين آمنوا" أي يا أيها الذين آمنتم بالله إلها، ودخلتم معه في عقد إيماني. | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:29 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 22 (الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون "22") فبعد أن بين لنا الحق سبحانه وتعالى أن عطاء ربوبيته الذي يعطيه لخلقه جميعا، المؤمن والكافر، كان يكفي لكي يؤمن الناس، كل الناس .. أخذ يبين لنا آيات من عطاء الربوبية. ويلفتنا إليها لعل من لم يؤمن عندما يقرأ هذه الآيات يدخل الإيمان في قلبه. فيلفتنا الله سبحانه وتعالى إلي خلق الأرض في قوله تعالى "الذي جعل لكم الأرض فراشا". والأرض هي المكان الذي يعيش في الناس ولا يستطيع أحد أن يدعي أنه خلق الأرض أو أوجدها. إذن فهي آية ربوبية لا تحتاج لكي نتنبه إليها إلي جهد عقلي. لأنها بديهات محسومة لله سبحانه وتعالى. وقوله تعالى: "فراشا" توحي بأنه أعد الأرض إعداداً مريحاً للبشر. كما تفرش على الأرض شيئا، تجلس عليه أو تنام عليه، فيكون فراشا يريحك. ونحن نتوارث الأرض جيلا بعد جيل. وهي تصلح لحياتنا جميعاً. ومنذ أن خلقت الأرض إلي يوم القيامة. ستظل فراشا للإنسان. قد يقول بعض الناس أنك إذا نمت على الأرض فقد تكون غير مريحة تحتك فيها حصى أو غير ذلك مما يضايقك. نقول أن الإنسان الأول كان ينام عليها مستريحا .. إذن فضرورة النوم ممكنة على الأرض. وعندما تقدمت الحضارة وزادت الرفاهية ظلت الأرض فراشاً رغم ما وجد عليها من أشياء لينة. فكأن الله تعالى. قد أعدها لنا إعداداً يتناسب مع كل جيل. فكل رفه في العيش بسبب تقدم الحضارة كشف الله سبحانه من العلم ما يطوع له الأرض ويجعلها فراشاً. ونلاحظ أن الله سبحانه وتعالى في آية أخرى يقول:
{جعل لكم الأرض مهداً } (من الآية 10 سورة الزخرف)
والمهد هو فراش الطفل، ولابد أن يكون مريحا لأن الطفل إذا وجد في الفراش أي شيء يتعبه. فإن لا يملك الإمكانيات التي تجعله يريحه، ولذلك تمهد الأم لطفلها مكان نومه، حتى ينام نوماً مريحاً. ولكن الذي يمهد الأرض لكل خلقه هو الله سبحانه وتعالى. يجعلها فراشاً لعباده. وإذا قرأت قوله تعالى:
{هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه } (من الآية 15سورة الملك)
فإن معنى ذلك أن الحق سبحانه جعل الأرض مطيعة للإنسان، تعطيه كل ما يحتاجه. ويأتي الحق سبحانه وتعالى إلي السماء فيقول: "والسماء بناءً" والبناء يفيد المتانة والتماسك. أي أن السماء ـ وهي فوقك ـ لا نرى شيئا يحملها حتى لا تسقط عليك. إنها سقف متماسك متين .. ويؤكد الحق هذا المعنى بقوله تعالى:
{ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه } (من الآية 65 سورة الحج)
وفي آية أخرى يقول:
{وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً } (من الآية 32 سورة الأنبياء)
والهدف من هذه الآيات كلها. أن نطمئن ونحن نعيش على الأرض أن السماء لن تتساقط علينا لأن الله يحفظها. إذن من آيات الحق سبحانه وتعالى في الأرض أنه جعلها فراشاً أي ممهدة ومريحة لحياة الإنسان. وحفظ السماء بقدرته جل جلاله، فهي ثابتة في مكانها، لا تهدد سكان الأرض وتفزعهم، بأنها قد تسقط عليهم، ثم جاء بآية أخرى: "وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم" فكأن الحق سبحانه وتعالى وضع في الأرض وسائل استبقاء الحياة. فلم يترك الإنسان على الأرض دون أن يوفر له وسائل استمرار حياته. فالمطر ينزل من السماء، والسماء هي كل ما علاك فأظلك. فينبت به الزرع والثمر، وهذا رزق لنا، والناس تختلف في مسألة الرزق. والرزق هو ما ينتفع به، وليس هو ما تحصل عليه. فقد تربح مالاً وافراً ولكنك لا تنفقه ولا تستفيد منه فلا يكون هذا رزقك ولكنه رزق غيرك، وأنت تظل حارساً عليه، لا تنفق منه قرشاً واحداً، حتى توصله إلي صاحبه. والرزق في نظر معظم الناس هو المال، قال عليه الصلاة والسلام: "يقول ابن آدم مالي مالي .. وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، ولبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت". هذا هو رزق المال. وهو جزء من الرزق. ولكن هناك رزق الصحة. ورزق الولد. ورزق الطعام. ورزق في البركة. وكل نعمة من الله سبحانه وتعالى هي رزق وليس المال وحده. فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا بهذه الآية الكريمة إلي أن نفكر قليلاً، فيمن خلق هذا الكون. لنعرف أنه قبل أن يخلق الإنسان خلق له عناصر بقائه. ولكن هذا الإعداد لم يتوقف عند الحياة المادية. بل أن الله كما أعد لنا مقومات حياتنا المادية أعد لنا مقومات حياتنا الروحية، أو القيم في الوجود. وإذا قرأت في سورة الرحمن قوله تعالى:
{الرحمن "1" علم القرآن "2" خلق الإنسان "3" علمه البيان "4"} (سورة الرحمن) | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:30 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 22 (الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون "22") لوجدت القرآن يعطينا قيم الحياة، التي بدونها تصبح الدنيا كلها لا قيمة لها. لأن الدنيا امتحان أو اختبار لحياة قادمة في الآخرة. فإذا لم تأخذها بمهمتها في أنها الطريق الذي يوصلك إلي الجنة. أهدرت قيمتها تماماً. ولم تعد الدنيا تعطيك شيئاً إلا العذاب في الآخرة. وقد ربط الحق سبحانه وتعالى الرزق في هذه الآية بالسماء فقال سبحانه: "فأخرج به من الثمرات رزقا لكم". ليلفتنا إلي أن الرزق، لا يأتي إلا من أعلى، وضرب الله سبحانه وتعالى المثل بالماء لأنه رزق مباشر محسوس منا، والماء ينزل من السماء في أنقى صوره مقطراً. كل ما يأتينا من السماء. فيه علو. ينزل ليزيد حياة القيم ارتقاء، عملية لو أراد البشر أن يقوموا بها ما استطاعوا لأنها كانت ستتكلف ملايين الجنيهات، لتعطينا ماءً لا يكفي أسرة واحدة. ولكن الله سبحانه وتعالى أنزل من السماء ماءً في أنقى صوره لينبت به الثمرات، التي تضمن استمرار الحياة في هذا الكون. وبعد أن نفهم هذه النعم كلها. والإعجاز الذي فيها ونستوعبها يقول الحق تبارك وتعالى: "فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون". "أندادا" جمع ند، والند هو النظير أو الشبيه. وأي عقل فيه ذرة من فكر يبتعد عن مثل هذا، فلا يجعل لله تعالى شبيهاً ولا نظيراً ولا يشبه بالله تعالى أحداً. فالله واحد في قدرته، واحد في قوته، واحد في خلقه. واحد في ذاته، وواحد في صفاته. ولا توجد مقارنة بين صفات الحق سبحانه وتعالى وصفات الخلق. والله خلق لكل منا عقلاً يفكر به، لو عرضت هذه المسألة على العقل لرفضها تماماً، لأنها لا تتفق مع عقل أو منطق، ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: "وأنتم تعلمون" أي تعرفون هذا جيداً بعقولكم لأن طبيعة العقل ترفض هذا تماماً. فمنذا الذي يستطيع أن يدعي أنه خلقكم والذين من قبلكم؟! ومنذا الذي يستطيع أن يدعي ولو كذبا، أنه هو الذي جعل الأرض فراشاً، وجعل السماء سقفاً محفوظاً، أو أنزل المطر وأنبت الزرع؟ لا أحد. إذن فأنتم تعلمون أن العقل كله لله وحده، ومادام لا يوجد معارض ولا يمكن أن يوجد. فالقضية محسومة للحق تبارك وتعالى. والحق سبحانه وتعالى يقول:
{ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله } (من الآية 165سورة البقرة)
لماذا اتخذ هؤلاء الناس لله تعالى أنداداً؟ لأنهم يريدون دينا بلا منهج. يريدون أن يرضوا فطرة الإيمان التي خلقها الله فيهم. وفي نفس الوقت يتبعون شهواتهم. عندما فكروا في هذا وجدوا أن أحسن طريقة هي أن يختاروا إلهاً بلا منهج، لا يطلب منهم شيئاً، ولذلك كل دعوة منحرفة تجد أنها تبيح ما حرم الله، وتحل الإنسان من كل التكاليف الإيمانية كالصلاة والزكاة والجهاد وغيرها. أما الذين آمنوا. فإنهم يعرفون أن الله سبحانه وتعالى إنما وضع منهجه لصالح الإنسان: فالله لا يستفيد من صلاتنا ولا من زكاتنا. ولا من منهج الإيمان شيئاً، ولكننا نحن الذين نستفيد من رحمة الله. ومن نعم الله ومن جنته في الآخرة. ولأن الذين آمنوا يعرفون هذا فإنهم يحبون الله حبا شديداً، والذين كفروا رغم كل ما يدعون فإنهم ساعة العسرة يلجأون إلي الله سبحانه وتعالى باعتباره وحده الملجأ والملاذ. واقرأ قوله تبارك وتعالى:
{وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلي ضرٍ مسه } (من الآية 12 سورة يونس)
لماذا لم يستدع الأنداد؟ لأن الإنسان لا يغش نفسه أبداً في ساعة الحظر، ولأن هؤلاء يعرفون بعقولهم أنه لا يمكن أن يوجد لله أنداد. ولكنه يتخذهم لأغراض دنيوية. فإذا جاء الخطر. يلجأ إلي الله سبحانه وتعالى. لأنه يعلم يقينا أنه وحده الذي يكشف الضر، فحلاق الصحة الذي يعالج الناس دجلا. إذا مرض ابنه أسرع به إلي الطبيب لأنه يغش نفسه. ولقد كان الأصمعي واقفاً عند الكعبة، فسمع إعرابياً يدعو ويقول: "يا رب أنت تعلم أني عاصيك وكان من حقك علي ألا أدعوك وأنا عاص. ولكني أعلم أنه لا إله إلا أنت فلمن أذهب. "فقال الأصمعي: يا هذا إن الله يغفر لك لحسن مسألتك" | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:32 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 23 (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين "23") بعد أن بين الحق سبحانه وتعالى لنا أن هؤلاء الذين يتخذون من دون الله أنداداً لا يعتمدون على منطق ولا عقل. ولكنهم يعتمدون على شهوات دنيوية عاجلة. أراد أن يأتي بالتحدي بالنسبة للقرآن الكريم ـ المعجزة الخالدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ حتى يثبت لهم أن الله سبحانه وتعالى إذا كان قد جعل خلق الكون إعجازاً محسا .. فإن القرآن منهج معجز إعجازاً قيماً .. قال الله جل جلاله: "وإن كنتم في ريب" الخطاب هنا لكل كافر ومنافق غير مؤمن، لأن الذين آمنوا بالله ورسوله ليس في قلوبهم ريب، بل هم يؤمنون بأن القرآن موحى به من الله، مبلغ إلي محمد صلى الله عليه وسلم بالوحي المنزل من السماء. والريب: هو الشك. وقوله تعالى: "إن كنتم في ريب" أي إن كنتم في شك. من أين يأتي هذا الشك والمعجزة تحيط بالقرآن وبرسوله صلى الله عليه وسلم؟ ما هي مبررات الشك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقرأ ولا يكتب ولم يعرف بالبلاغة والشعر بين قومه حتى يستطيع أن يأتي من عنده بهذا الكلام المعجز الذي لم يستطع فطاحل شعراء العرب الذين تمرسوا في البلاغة واللغة أن يأتوا بآية من مثله. هذه واحدة. والثانية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكذب أبداً ولم يعرف الأمين. والذين كانوا يلقبون رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين اتهموه بأن القرآن ليس من عند الله .. أيصدق رسول الله عليه الصلاة والسلام مع الناس. ويكذب على الله؟! .. هذا مستحيل. الكلام الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القرآن لم يكن أحد ليستطيع أن يأتي به من فطاحل علماء البلاغة العرب. والعلم الذي نزل في القرآن الكريم، لم يكن يعرفه بشر في ذلك الوقت. فكيف جاء النبي الأمي بهذا الكلام المعجز، وبهذا العلم الذي لا يعلمه البشر؟! لو جلس إلي معلم أو قرأ كتب الحضارات القديمة. لقالوا ربما استنبط منها، ولكنه لم يفعل ذلك. فمن إين دخل الريب إلي قلوبهم؟ لاشك أنه دخل من باب الباطل. والباطل لا حجة له.وبلا شك لقد فضحوا أنفسهم بأنهم لا يرتابون في القرآن ولكنهم كانوا يريدونه أن ينزل على سيد من سادة قريش . واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى:
{وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم "31" } (سورة الزخرف)
وهؤلاء المرتابون لم يجدوا حجة يواجهون بها القرآن، فقالوا ساحر، وهل للمسحور إرادة مع الساحر؟ إذا كان ساحرا فلماذا لم يسحركم أنتم؟ وقالوا مجنون. والمجنون يتصرف بلا منطق .. يضحك بلا سبب. ويبكي بلا سبب. ويضرب الناس بلا سبب. ولذلك رد الحق سبحانه عليهم بقوله تعالى:
{ن والقلم وما يسطرون "1" ما أنت بنعمة ربك بمجنونٍ "2" وإن لك لأجر غير ممنون "3" وإنك لعلى خلقٍ عظيم "4" } (سورة القلم)
فهل يكون المجنون على خلق عظيم؟ إذن فأسباب الريب كلها أو الأسباب التي تثير الشك غير موجودة. وغير متوافرة. ولا يوجد سبب حقيقي واحد يجعلهم يشكون في أن القرآن ليس من عند الله. ولكنهم هم القائلون كما يروي لنا الحق تبارك وتعالى:
{وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارةٍ من السماء أو أتنا بعذابٍ أليمٍ "32" } (سورة الأنفال)
إذن فكل أسباب الشك غير موجودة وأسباب اليقين هي الموجودة ومع ذلك ارتابوا وشكوا. وقوله سبحانه وتعالى: "مما نزلنا على عبدنا". فالقرآن الكريم وجد في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الإنسان، وعندما جاء وقت مباشرته لمهمته في الكون نزل من اللوح المحفوظ إلي السماء الدنيا دفعة واحدة ثم أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بقدر ما احتاجت إليه المناسبات والأحداث. إذن فقوله" نزلنا" أي نزل من اللوح المحفوظ إلي السماء الدنيا دفعة واحدة. وقوله تعالى "أنزل" أي أنزله آيات على محمد صلى الله عليه وسلم بحسب اقتضاء الأحداث والمناسبات. الحق سبحانه وتعالى يقول: "على عبدنا" وهذه محتاجة إلي وقفة. فالله جل جلاله. له عبيد وله عباد. كل خلق الله في كونه عبيد لله سبحانه وتعالى. لا يستطيعون الخروج عن مشيئة الله أو إرادته. هؤلاء هم العبيد. ولكن العباد هم العبيد. ولكن العباد هم الذين اتحدت مراداتهم مع ما يريده الله سبحانه وتعالى .. تخلوا عن اختيارهم الدنيوي، ليصبحوا طائعين لله باختيارهم، أي أنهم تساووا مع المقهورين في أنهم اختاروا منهج الله وتركوا أي اختيار يخالفه. هؤلاء هم العباد، وإذا قرأت القرآن الكريم تجد أن الله سبحانه وتعالى يشير إلي العباد بأنهم الصالحون من البشر فيقول الحق تبارك وتعالى:
{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون "186" } (سورة البقرة) | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:34 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 23 (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين "23") هذا ليس لكل خلق الله، ولكنه للعباد. الذين إذا قال الله تعالى لهم افعلوا فعلوا وإذا قال الله لا تفعلوا لم يفعلوا. أي أنهم لا يخالفون ـ بقدرتهم على الاختيار ـ منهج الله سبحانه وتعالى. ولذلك في الجهاد لا يقول الحق سبحانه وتعالى عن المجاهدين أنهم عبيد. بل يقول جل جلاله:
{فإذا جاء وعد أولهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولى بأسٍ شديدٍ فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً "5" } (سورة الإسراء)
وبعض المستشرقين الذين يحاولون الطعن في القرآن الكريم يقولون أن كلمة عباد قد جاءت في وصف غير المؤمن في قوله تعالى:
{ءأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل } (من الآية 17 سورة الفرقان)
نقول: أنكم لم تفهموا أن هذا ساعة الحساب في الآخرة، وفي الآخرة كلنا عباد لأننا كلنا مقهورون فلا اختيار لأحد في الآخرة وإنما الاختيار البشري ينتهي ساعة الاحتضار، ثم يصبح الإنسان بعد ذلك مقهوراً. فنحن جميعا في الآخرة عباد ولكن الفرق بين العبيد والعباد هو في الحياة الدنيا فقط. والعبودية هي أرقى مراتب القرب من الله تعالى. لأنك تأتي إلي الله طائعاً. منفذاً للمنهج باختيارك. ولقد عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون ملكاً رسولاً، أو عبداً رسولا. فاختار أن يكون عبداً رسولا. وإذا أردنا أن نعرف معنى العبودية نقرأ في سورة الإسراء:
{سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} (من الآية 1 سورة الإسراء)
لنرى أنه في أعلى درجات الأنعام من الله سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم في المعجزة الكبرى التي لم تحدث لبشر قبله صلى الله عليه وسلم سواء كان رسولا أو غير رسول، ولن تحدث لبشر بعده .. ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد إلي السماوات السبع بالروح وبالجسد ثم عاد إلي الأرض. وتجاوز رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة جبريل فتجاوز سدرة المنتهى وهي المكان الذي ينتهي إليه علم خلق الله من البشر والملائكة المقربين. وبشرية الرسول أخذت جدلاً كبيرا منذ بدأت الرسالات السماوية. وحتى عصرنا هذا. واقرأ قوله تعالى:
{فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشراً مثلنا } (من الآية 27 سورة هود)
وقوله تعالى:
{فقالوا أبشراً منا واحداً نتبعه إنا إذاً لفي ضلال وسعرٍ "24" } (سورة القمر)
وقوله تعالى:
{وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشراً رسولاً "94" } (سورة الإسراء)
وقوله تعالى:
{ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذا لخاسرون "34" } (سورة المؤمنون)
إذن فبشرية الرسول اتخذت حجة للذين لا يريدون أن يؤمنوا والرسول مبلغ عن الله. ولابد أن يكون من جنس القوم الذين أرسل إليهم. ولابد أن يكون قد عاش بينهم فترة قبل الرسالة واشتهر بالأمانة والصدق حتى لا يكذبوه. وفي الوقت نفسه هو قدرة. ولذلك لابد أن يكون من جنس قومه. لأنه سيطبق المنهج عمليا أمامهم. ولو كان من جنس آخر لقالوا لا نطيق ما كلفتنا به يا رب. لأن هذا رسول الله مخلوق من غير مادتنا. ومقهور على الطاعة. إذن فبشرية الرسول حتمية. وكل من يحاول أن يعطي الرسول صفة غير البشرية. إنما يحاول أن ينقص من كمالات رسالات الله، والله سبحانه وتعالى ليس عاجزا، عن أن يحول البشر إلي ملائكة قوله تعالى:
{ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلقون } (سورة الزخرف)
إذن فبشرية الرسول هي من تمام الرسالة. ثم يأتي التحدي من الله سبحانه وتعالى "فأتوا بسورة من مثله" والمطلوب أن يأتي العرب بسورة من مثل ما جاء به القرآن الكريم. الشهود الذين يطلب الله دعوتهم هم شهود ضعفاء. شهود من البشر وليست شهادة من الله بالغيب. والله سبحانه وتعالى وضع في هذه الآية معظم الشكوك لنفحصها، ولنصل فيما بعد ذلك إلي جوهر الإعجاز القرآني. والحق سبحانه وتعالى تدرج في التحدي مع الكافرين. فطلب منهم أن يأتوا بمثل القرآن، ثم طلب عشر سور من مثله. ثم تدرج في التحدي فطلب سورة واحدة. والنزل في التحدي من القرآن كله إلي عشر سور. إلي سورة واحدة. دليل ضد من تحداهم. فلا يستطيعون أن يأتوا بمثل القرآن، فيقول: إذن فأتوا بعشر سور. فلا يستطيعون ويصبح موقفهم مدعاة للسخرية. فيقول: فأتوا بسورة. وهذا منتهى الاستهانة بالذين تحداهم الله سبحانه وتعالى وإثباتاً لأنهم لا يقدرون على شيء. وكلمة بمثل. معناها أن الحق سبحانه وتعالى يطلب المثيل ولا يطلب نص القرآن وهذا إمعان وزيادة في إظهار عجز القوم الذين لا يؤمنون بالله ويشككون في القرآن. وقوله تعالى: "وأدعو شهداءكم". معناه أن الله سبحانه وتعالى زيادة في التحدي يطالبهم بأن يأتوا هم بالشهداء ويعرضوا عليهم الآية ليحكم هؤلاء الشهود إذا كان ما جاءوا به مثل القرآن أم لا. أليس هذا إظهار منتهى القوة لله سبحانه وتعالى لأنه لم يشترط شهداء من الملائكة ولا شهداء من الذين اشتهر عنهم الصدق. وأنهم يشهدون بالحق. بل ترك الحق سبحانه لهم أن يأتوا بالشهداء وهؤلاء الشهداء لن يستطيعوا أن يشهدوا أن كلام هؤلاء المشككين يماثل سورة من القرآن. الله سبحانه وتعالى طلب منهم أن يأتوا بأي شهداء متحيزين لهم. وأطلقها سبحانه وتعالى على كل أجناس الأرض فقال: "من دون الله إن كنتم صادقين" ولكن إياكم أن تقولوا يشهد الله بأن ما جئنا به مثل القرآن. لأنكم تكونون قد كذبتم على الله وادعيتم شيئا لم يقله سبحانه وتعالى. ولكن ما معنى قوله تعالى: "أن كنتم صادقين" صادقين في ماذا؟ وما هو الصدق؟ الصدق يقابل الكذب، والصدق والكذب، كل منهما نسبي. كلنا يعلم أن هناك كلاما غير مفيد، فإذا قلت محمد وسكت فمن يسمعك سيسألك، ماذا تقصد بقولك محمد؟ وسؤاله دليل على أنه لم يستفيد شيئاً، ولكنه لو سألك من عندك؟ وأجبت محمد فكأنك تخبره بأن عندك محمداً وهذه كلمة واحدة لكنك فهمتها بالمعنى الذي أخذته من كلام السائل. إذن فلا تقل كلمة واحدة ولكن قل كلاماً مفيداً. إذن فالكلام المفيد هو الذي يسكت السامع عليه. وكل متكلم قبل أن ينطق بالكلام يكون عنده نسبة ذهنية لما سيقول، يعبر عنها بنسبة كلامية. ولكن هناك نسبة خارجية لما يقول تمثل. الواقع. أي أنك لو قلت محمد مجتهد فلابد أن يكون هناك شخص اسمه محمد. ولابد أن يكون مجتهداً فعلاً. لتتطابق النسبة الكلامية. مع النسبة الواقعية. فإذا لم يكن هناك شخص اسمه محمد. أو كان هناك شخص اسمه محمد ولكنه ليس مجتهداً، فإن النسبة الكلامية تخالف النسبة الواقعية. والصدق أن تتطابق النسبة الكلامية والنسبة الواقعية. "والكذب" ألا تتطابق النسبة الكلامية مع النسبة الواقعية .. هذا المفهوم ضرورة لعرض معنى الآية الكريمة. إذن فقوله تعالى "صادقين" أي أن تتطابق النسبة الكلامية التي ستقولونها مع نسبة واقعية تستطيعون أن تدللوا عليها. فإن لم يحدث ذلك فأنتم كاذبون فالله سبحانه وتعالى يريد منكم الدليل على صدقكم | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:35 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 24 (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودوها الناس والحجارة أعدت للكافرين "24") بعد أن تحدث الله سبحانه وتعالى عن الأدلة التي يستند إليها المشككون في القرآن الكريم، وهي أدلة لا تستند إلي عقل ولا إلي منطق. تحداهم بأن يأتوا بسورة مثل القرآن، وأن يستعينوا بمن يريدون من دون الله، لأن القرآن كلام الله، والله سبحانه هو القائل. وبما أنهم يحاولون التشكيك في أن القرآن كلام الله. وأنه منزل من عند الله، فليستعينوا بمن يريدون ليأتوا بآية من مثله، لأن التحدي هنا لا يمكن أن يتم إلا إذا استعانوا بجميع القوى ما عدا الله سبحانه وتعالى. ثم يأتي الحق سبحانه وتعالى بعد ذلك بالنتيجة قبل أن يتم التحدي. لأن الله سبحانه وتعالى يعلم أنهم لن يفعلوا ولن يستطيعوا. إن قوله سبحانه: "فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا" معناه أنه حكم عليهم بالفشل وقت نزول القرآن وبعد نزول القرآن إلي يوم القيامة. لأن الله لا يخفي عن علمه شيء. فهو بكل شيء عليم. وكلمة "لم تفعلوا" عندما تأتي قد تثير الشك. فنحن نعرف أن مجيء أن الشرطية يثير الشك .. لأن الأمر لكي يتحقق يتعلق بشرط. وأنت إن قلت إن ذاكرت تنجح، ففي المسألة شك .. أما إذا قلت كقول الحق "إذا جاء نصر الله والفتح" فمعنى ذلك أن نصر الله آت لا محالة. و"إن" حرف و"إذا" ظرف، وكل حدث يحتاج إلي مكان وزمن. فإذا جئت بأداة الشرط فمعنى ذلك أنك تقربها من عنصر تكوين الفعل والحدث. فإذا أردت أن تعبر عن شيء سيتحقق تقول إذا أردت أن تشكك فيه تقول "إن" والله سبحانه وتعالى قال" فإن لم تفعلوا" ولأن الفعل ممكن الحدث أراد أن يرجح الجانب المانع فقال "ولن تفعلوا" هذا أمر اختياري. فإذا تكلمت عن أمر اختياري ثم حكمت أنه لن يحدث. فكأن قدرتك هي التي منعته من الفعل. فلا يقال أنك قهرته على ألا يفعل. لا. علمت أنه لن يفعل. فاستعداداته لا يمكن أن تمكنه من الفعل. وهذه أمور ضمن اخبارات القرآن الكريم في القضايا الغيبية التي أخبر عنها، فعندما يقول الله سبحانه وتعالى "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم" معناه أنهم مصدقون ولكن ألسنتهم لا تعترف بذلك. وقوله تعالى "فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا" معناه أن الشك مفتعل في نفوسهم؛ هم لا يريدون أن يؤمنوا ولذلك يأتون بسبب مفتعل لعدم الإيمان. لقد استقر فكرهم على أنهم لا يؤمنون، ومادام هذا هو ما قررتموه. فإنكم ستظلون تبحثون عن أسباب ملفقة لعدم الإيمان. وقوله تعالى: "فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة". الحق سبحانه وتعالى يريد هنا أن يلفتنا إلي صورة أخرى من عجز هؤلاء الكفار فهم بحثوا عن أعذار، ليبرروا بها عدم إيمانهم وتظاهروا بأنهم يشكون في القرآن الكريم. يقول لهم: لو كانت لكم قدرة وذاتية فعلا فامنعوا أنفسكم من دخول النار وهذا وعيد من الله. لقد أعطاهم ذاتية الاختيار في الدنيا ولم يختاروا قهراً بل اختاروا عدم الإيمان بمشيئة الاختيار التي أعطاه الله لهم. ولكن هناك وقت ليس فيه اختيار وهو الآخرة فحاولوا أن تتقوا في الآخرة عذاب النار يوم القيامة. ولكن لن يكون لأحد اختيار. فالله سبحانه وتعالى يقول في ذلك اليوم:
{لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } (من الآية 16 سورة غافر)
ويقول جل جلاله:
{يوم لا تملك نفس لنفسٍ شيئاً والأمر يومئذ لله "19"} (سورة الانفطار)
فإرادتكم التي منعتكم من الإيمان .. لن تقيكم يومئذ من عذاب النار، واقرأ قوله تعالى:
{إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون "98"} (سورة الأنبياء)
لماذا هم وما يعبدون؟ لأن العابد يرتجي نفع المعبود. فكأنهما عندما يرى كل منهم الآخرة في العذاب. تكون الحسرة أشد. ولذلك فإن الحجارة والأصنام التي يعبدونها ستكون معهم في النار يوم القيامة. وليس هذا عقابا للأحجار والأصنام. لأنها خلق مقهور لله مسبح له، ولكن هذه الأصنام والأحجار تكون راضية وهي تحرق الذين كفروا بالله. وتقول: "عبدونا ونحن أعبد لله من المستغفرين بالأسحار". وقوله تعالى: "أعدت للكافرين" الله سبحانه وتعالى يخبرهم وهم في الدنيا، أن النار أعدت للكافرين. وقوله تعالى النار أعدت للكافرين تطمين غاية الاطمئنان للمؤمن. وإرهاب غاية الإرهاب للكافر .. وقوله تعالى "أعدت" معناها أنها موجودة فعلا وإن لم نكن نراها. وأنها مخلوقة وإن كانت محجوبة عنا.
<ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عرضت على الجنة ولو شئت أن آتيكم منها بقطاف لفعلت">
وهذا دليل على أنها موجودة فعلاً. والمؤمن حينما يعلم أن الجنة موجودة فعلاً وأن الإيمان سيقوده إليها فإنه يحس بالسعادة ويشتاق للجنة. فإذا سمع قول الحق سبحانه وتعالى:
{أولئك هم الوارثون "10" الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون "11"} (سورة المؤمنون)
ساعة تقرأ هذه الآية الكريمة تعرف أن الله سبحانه وتعالى سيجعلك في الجنة تأخذ ما كان لغيرك. لأن الميراث يأتيك من غيرك. وقد سبق علم الله سبحان وتعالى خلق الناس جميعاً. وقيل أن يخلق أعد لكل خلقه مقعداً في النار ومقعداً في الجنة. الذين سيدخلون النار خالدين فيها، مقاعدهم في الجنة ستكون خالية، فيأتي الله سبحانه وتعالى يعطيها للمؤمنين ليرثوها فوق مقاعدهم ومنازلهم في الجنة والحق سبحانه عندما يقول: "أعدت" فهي موجودة فعلاً. | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:36 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 25 (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون "25") وبعد أن بين الله سبحانه وتعالى لنا مصير الكافرين الذين يشككون في القرآن ليتخذوا من ذلك عذراً لعدم الإيمان. قال: إذا كنتم قد اخترتم عدم الإيمان، بما أعطيتكم من اختيار في الدنيا، فإنكم في الآخرة لن تستطيعوا أن تتقوا النار. ولن تكون لكم إرادة. ثم يأتي الحق تبارك وتعالى بالصورة المقابلة. والقرآن الكريم إذا ذكرت الجنة يأتي الله بعدها بالصورة المقابلة وهي العذاب بالنار. وإذا ذكرت النار بعذابها ولهيبها ذكرت بعدها الجنة. وهذه الصورة المتقابلة لها تأثير على دفع الإيمان في النفوس. فإذا قرأ الإنسان سورة للعذاب ثم جاء بعدها النعيم فإنه يعرف أنه قد فاز مرتين. فالذي يزحزح عن النار ولا يدخلها يكون ذلك فوزاً ونعمة، فإذا دخل الجنة تكون نعمة أخرى، ولذا فإن الله تعالى يقول:
{فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز } (من الآية 185 سورة آل عمران)
ولم يقل سبحانه ومن أدخل الجنة فقد فاز. لأن مجرد أن تزحزح عن النار فوز عظيم .. وفي الآخرة. وبعد الحساب يضرب الصراط فوق جهنم، ويعبر من فوقه المؤمنون والكافرون. فالمؤمنون يجتازون الصراط المستقيم كل حسب عمله منهم من يمر بسرعة البرق. ومنهم من يمر أكثر بطأ وهكذا، والكافرون يسقطون في النار. ولكن لماذا يمر المؤمنون فوق الصراط. والله سبحانه وتعالى قال:
{وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً "71" ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً "72" } (سورة مريم)
لأن مجرد رؤية المؤمنين لجهنم نعمة كبرى، فحين يرون العذاب الرهيب الذي أنجاهم الإيمان منه يحس كل منهم بنعمة الله عليه. أنه أنجاه من هذا العذاب. وأهل النار وأهل الجنة يرى بعضهم بعضاً. فأهل الجنة حينما يرون أهل النار يحسون بعظيم نعمة الله عليهم. إذ أنجاهم منها، وأهل النار حين يرون أهل الجنة يحسون بعظيم غضب الله عليهم أن حرمهم من نعيمه، فكأن هذه الرؤية نعيم لأهل الجنة وزيادة في العذاب لأهل النار .. والله سبحانه وتعالى يقول: "وبشر" والبشارة هي الأخبار بشيء سار قادم لم يأت وقته بعد. ولكن البشارة تأتي أحيانا في القرآن الكريم ويقصد بها الكفار. اقرأ قوله تعالى:
{ويل لكل أفاكٍ أثيم "7" يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها فبشره بعذابٍ أليمٍ } (سورة الجاثية)
البشارة هنا تهكمية من الله سبحانه وتعالى. فالحق تبارك وتعالى يريد أن يزيد عذاب الكفار، فعندما يسمعون كلمة "فبشرهم" يعتقدون أنهم سيسمعون خبراً ساراً، فيأتي بعدها العذاب الأليم ليزيدهم غما على غم. يقول الحق سبحانه وتعالى: "وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات". البشرى هنا إعلام بخير قادم للمؤمنين، والإيمان هو الرصيد القلبي للسلوك لأن من يؤمن بقضية يعمل من أجلها، التلميذ يذاكر لأنه مؤمن أنه سينجح، وكل عمل سلوكي لابد أن يوجد من ينبوع عقيدي. والإيمان أن تنسجم حركة الحياة مع ما في القلب وفق مراد الله سبحانه وتعالى: ونظام الحياة لا يقوم إلا على إيمان .. فكأن العمل الصالح ينبوعه الإيمان. ولذلك يقول القرآن الكريم:
{والعصر "1" إن الإنسان لفي خسرٍ "2" إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } (سورة العصر)
وفي آية أخرى:
{ومن أحسن قولاً ممن دعا إلي الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين "33"} (سورة فصلت) | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:38 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 25 (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون "25") ولكن هل يكفي الإعلان عن كوني من المسلمين؟ لا بل لابد أن يقترن هذا الإعلان بالعمل بمرادات الله سبحانه وتعالى. الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا .. إلي أن قولنا "لا إله إلا الله محمد رسول الله" .. لابد أن يصاحبه عمل بمنهج الإسلام .. ذلك أن نطقنا بالشهادة لا يزيد في ملك الله شيئا .. فالله تبارك وتعالى شهد بوحدانية ألوهيته لنفسه، وهذه شهادة الذات للذات .. ثم شهد الملائكة شهادة مشهد لأنهم يرونه سبحانه وتعالى .. ثم شهد أولو العلم شهادة دليل بما فتح عليهم الله جل جلاله من علم .. وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:
{شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} (سورة آل عمران)
ولكن الحق سبحانه وتعالى يريد من المؤمنين أن يعملوا بالمنهج .. لماذا؟.. حتى لا تتعاند حركة الحياة بل تتساند .. ومادامت حركة الحياة مستقيمة .. فإنها تصبح حياة متساندة وقوية .. وعندما انتشر الإسلام في بقاع الأرض لم يكن الهدف أن يؤمن الناس فقط لمجرد الإيمان .. ولكن لابد أن تنسجم حركة الحياة مع منهج الإسلام .. فإذا ابتعدت حركة الحياة مع منهج الإسلام .. فإذا ابتعدت حركة الحياة عن المنهج .. حينئذ لا يخدم قضية الدين أن يؤمن الناس أولا يؤمنوا .. ولذلك لابد أن ينص على الإيمان والعمل الصالح .. "والذين آمنوا وعملوا الصالحات" .. والصالحات هي جمع صالحة .. والصالحة هي الأمر المستقيم مع المنهج، وضدها الفساد .. وحين يستقبل الإنسان الوجود .. فإن أقل الصالحات هو أن يترك الصالح على صلاحه أو يزيده صلاحا. الحق تبارك وتعالى يبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات بجنات تجري من تحتها الأنهار .. والجنات جمع جنة، وهي جمع لأنها كثيرة ومتنوعة .. وهناك درجات في كل جنة أكثر من الدنيا .. واقرأ قوله تبارك وتعالى:
{انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجاتٍ وأكبر تفضيلاً "21" } (سورة الإسراء)
الجنات نفسها متنوعة .. فهناك جنات الفردوس، وجنات عدن، وجنات نعيم .. وهناك دار الخلد، ودار السلام، وجنة المأوى .. وهناك عليون الذي هو أعلى وأفضل الجنات .. وأعلى ما فيها التمتع برؤية الحق تبارك وتعالى .. وهو نعيم يعلو كثيرا عن أي نعيم في الطعام والشراب في الدنيا .. والطعام والشراب بالنسبة لأهل الجنة لا يكون عن جوع أو ظمأ .. وإنما عن مجرد الرغبة والتمتع. والله جل جلاله في هذه الآية يعد بأمر غيبي .. ولذلك فإنه لكي يقرب المعنى إلي ذهن البشر .. لابد من استخدام ألفاظ مشهودة وموجودة .. أي عن واقع نشهده. واقرأ، قوله تبارك وتعالى:
{فلا تعلم نفس ما أخفى من قرة أعينٍ جزاء بما كانوا يعملون "17" } (سورة السجدة)
إذن ما هو موجود في الجنة لا تعلمه نفس في الدنيا .. ولا يوجد لفظ في اللغة يعبر عنه .. ولا ملكه من ملكات المعرفة كالسمع والنظر قد رأته .. ولذلك استخدم الحق تبارك وتعالى الألفاظ التي تتناسب مع عقولنا وإدراكنا .. فقال تعالى: "جنات جري من تحتها الأنهار" .. على أن هناك آيات أخرى تقول: "تجري تحتها الأنهار" ما الفرق بين الاثنين .. تجري تحتها الأنهار .. أي أن نبع الماء من مكان بعيد وهو يمر من تحتها .. أما قوله تعالى: "من تحتها الأنهار" فكأن الأنهار تنبع تحتها .. حتى لا يخاف إنسان من أن الماء الذي يأتي من بعيد يقطع عنه أو يجف .. وهذه زيادة لاطمئنان المؤمنين أن نعيم الجنة باق وخالد.. ومادام هناك ماء فهناك خضرة ومنظر جميل ولابد أن يكون هناك ثمر .. وفي قوله تعالى: "كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها" .. حديث عن ثمر الجنة .. وثمر الجنة يختلف عن ثمر الدنيا .. إنك في الدنيا لابد أن تذهب إلي الثمرة وتأتي بها أو يأتيك غيرك بها .. ولكن في الجنة الثمر هو الذي يأتي إليك .. بمجرد أن تشتهيه تجده في يدك .. وتعتقد أن هناك تشابها بين ثمر الدنيا وثمر الجنة ولكن الثمر في الجنة ليس كثمر الدنيا لا في طعمه ولا في رائحته .. وإنما يرى أهل الجنة ثمرها ويتحدثون يقولون ربما تكون هذه الثمرة هي ثمرة المانجو أو التين الذي أكلناه في الدنيا .. ولكنها في الحقيقة تختلف تماماً .. قد يكون الشكل متشابها ولكن الطعم وكل شيء مختلف.. في الدنيا كل طعام له فضلات يخرجها الإنسان .. ولكن في الآخرة لا يوجد لطعام فضلات بل أن الإنسان يأكل كما يشاء دون أن يحتاج إلي إخراج فضلات، وذلك لاختلاف ثمار الدنيا عن الآخرة في التكوين .. إذن ففي الجنة الأنهار مختلفة والثمار مختلفة .. والجنة يكون الرزق فيها من الله سبحانه وتعالى الذي يقول " للشيء كن فيكون" .. ولا أحد يقوم بعمل ثم يقول الحق تبارك وتعالى: "ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون". الزوجة هي متعة الإنسان في الدنيا إن كانت صالحة .. والمنغصة عليه إن كانت غير صالحة .. وهناك منغصات تستطيع أن تضعها المرأة في حياة زوجها تجعله شقيا في حياته .. كأن تكون سليطة اللسان أو دائمة الشجار .. أولا تعطي اهتماما لزوجها أو تحاول إثارته بأن تجعله يشك فيها .. أما في الآخرة فتزول كل هذه المنغصات وتزول بأمر الله. فالزوجة في الآخرة مطهرة من كل ما يكرهه الزوج فيها، وما لم يحبه في الدنيا يختفي. فالمؤمنون في الآخرة مطهرون من كل نقائص الدنيا ومتاعبها وأولها الغل والحقد .. واقرأ قوله جل جلاله:
{ونزعنا ما في صدورهم من غلٍ إخواناً على سررٍ متقابلين "47" } (سورة الحجر)
فمقاييس الدنيا ستختفي وكل شيء تكرهه في الدنيا لن تجده في الآخرة .. فإذا كان أي شيء قد نغص حياتك في الدنيا فإنه سيختفي في الآخرة .. والحق تبارك وتعالى ضرب المثل بالزوجات لأن الزوجة هي متعة زوجها في الدنيا .. وهي التي تستطيع أن تحيل حياته إلي نعيم أو جحيم .. وقوله تعالى: "وهم فيها خالدون" .. أي لا موت في الآخرة ولن يكون في الآخرة وجود للموت أبدا، وإنما فيها الخلود الدائم إما في الجنة وإما في النار. | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:39 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 26 (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين "26") بعد أن تحدث الحق تبارك وتعالى عن الجنة .. وأعطانا مثلا يقرب لنا صور النعيم الهائلة التي سينعم بها الإنسان في الجنة .. أراد أن يوضح لنا المنهج الإيماني الذي يجب أن يسلكه كل مؤمن .. ذلك أن الله سبحانه وتعالى لا يكلف كافرا بعبادته .. ولكن الإنسان الذي ارتضى دخول الإيمان بالله جل جلاله قد دخل في عقد إيماني مع الله تبارك وتعالى .. ومادام قد دخل العقد الإيماني فأنه يتلقى عن الله منهجه في افعل ولا تفعل .. وهذا المنهج عليه أن يطبقه دون أن يتساءل عن الحكمة في كل شيء .. ذلك أن الإيمان هو إيمان بالغيب .. فإذا كان الشيء نفسه غائبا عنا فكيف نريد أن نعرف حكمته.. إن حكمة أي تكليف إيماني هي: أنه صادر من الله سبحانه وتعالى، ومادام صادرا من الله فهو لم يصدر من مساوٍ لك كي تناقشه، ولكنه صادر من إله وجبت عليك له الطاعة لأنه إله وأنت له عابد .. فيكفي أن الله سبحانه وتعالى قال افعل حتى نفعل .. ويكفي أنه قال لا تفعل حتى لا نفعل .. الحكمة غائبة عنك .. ولكن صدور الأمر من الله هو الحكمة، وهو الموجب للطاعة .. فأنا أصلي لأن الله فرض الصلاة، ولا أصلي كنوع من الرياضة .. وأنا أتوضأ لأن الله تبارك وتعالى أمرنا بالوضوء قبل الصلاة .. ولكنني لا أتوضأ كنوع من النظافة .. وأنا أصوم لأن الله أمرني بالصوم .. ولا أصوم حتى أشعر بجوع الفقير .. لأنه لو كانت الصلاة رياضة لاستبدلناها بالرياضة في الملاعب .. ولو أن الوضوء كان نظافة لقمنا بالاستحمام قبل كل صلاة .. ولو أن الصوم كان لنشعر بالجوع ما وجب على الفقير أن يصوم لأنه يعرف معنى الجوع.. إذن فكل تكاليف من الله نفعلها لأن الله شرعها ولا نفعلها لأي شيء آخر .. وكل ما يأتينا من الله من قرآن نستقبله على أنه كلام الله ولا نستقبله بأي صيغة أخرى .. ذلك هو الإيمان الذي يريد الله منا أن نتمسك به، وأن يكون هو سلوك حياتنا. تلك مقدمة كان لابد منها إذا أردنا أن نعرف معنى الآية الكريمة: "إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها" وعندما ضرب الله مثلا بالبعوضة .. استقبله الكفار بالمعنى الدنيوي دون أن يفطنوا للمعنى الحقيقي .. قالوا كيف يضرب الله مثلا بالبعوضة ذلك المخلوق الضعيف .. الذي يكفي أن تضربه بأي شيء أو بكفك فيموت؟. لماذا لم يضرب الله تبارك وتعالى مثلا بالفيل الذي هو ضخم الجثة شديدة القوة .. أو بالأسد الذي هو أقوى من الإنسان وضرب لنا مثلا بالبعوضة فقالوا: "ماذا أراد الله بهذا مثلا" .. ولم يفطنوا إلي أن هذه البعوضة دقيقة الحجم خلقها معجزة .. لأن في هذا الحجم الدقيق وضع الله سبحانه وتعالى كل الأجهزة اللازمة لها في حياتها .. فلها عينان ولها خرطوم دقيق جدا ولكنه يستطيع أن يخرق جلد الإنسان .. ويخرج الأوعية الدموية التي تحت الجلد ليمتص دم الإنسان.. والبعوضة لها أرجل ولها أجنحة ولها دورة تناسلية ولها كل ما يلزم لحياتها .. كل هذا في هذا الحجم الدقيق .. كلما دق الشيء احتاج إلي دقة خلق اكبر .. ونحن نشاهد في حياتنا البشرية أنه مثلا عندما اخترع الإنسان الساعة .. كان حجمها ضخما لدرجة أنها تحتاج إلي مكان كبير .. وكلما تقدمت الحضارة وارتقى الإنسان في صناعته وحضارته وتقدمه، أصبح الحجم دقيقا وصغيرا، وهكذا أخذت صناعة الساعات تدق .. حتى أصبح من الممكن صنع ساعة في حجم الخاتم أو أقل .. وعندما بدأ اختراع المذياع أو الراديو كان حجمه كبيرا .. والآن أصبح في غاية الدقة لدرجة أنك تستطيع أن تضعه في جيبك أو أقل من ذلك .. وفي كل الصناعات عندما ترتقي .. يصغر حجمها لأن ذلك محتاج إلي صناعة ماهر وإلي تقدم علمي.. وهكذا حين ضرب الله مثلا بالبعوضة وما فوقها .. أي بما هو أقل منها حجما .. فإنه تبارك وتعالى أراد أن يلفتنا إلي دقة الخلق .. فكلما لطف الشيء وصغر حجمه احتاج إلي دقة الخلق .. ولكن الكفار لم يأخذوا المعنى على هذا النحو وإنما أخذوه بالمعنى الدنيوي البسيط الذي لا يمثل الحقيقة. فالله سبحانه وتعالى حينما ضرب هذا المثل .. استقبله المؤمنون بأنه كلام الله .. واستقبلوه بمنطق الإيمان بالله فصدقوا به سواء فهموه أم لم يفهموه .. لأن المؤمن يصدق كل ما يجئ من عند الله سواء عرف الحكمة أو لم يعلمها .. واقرأ قوله تبارك وتعالى:
{ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علمٍ هدىً ورحمةً لقومٍ يؤمنون "52" ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون "53" } (سورة الأعراف)
إن كل مصدق بالقرآن لا يطلب تأويله أو الحكمة في آياته .. ولذلك قال الكافرون: "ماذا أراد الله بهذا مثلا" ويأتي رد الحق تبارك وتعالى: "يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين" .. ومن هم الفاسقون؟ .. هم الذين ينقضون عهد الله .. أول شيء في الفسق أن ينقض الفاسق عهده .. ويقال فسقت الرطبة أي بعدت القشرة عن الثمر .. فعندما تكون الثمرة أو البلحة حمراء تكون القشرة ملتصقة بالثمرة بحيث لا تستطيع أن تنزعها منها .. فإذا أصبحت الثمرة أو البلحة رطبا تسود قشرتها وتبتعد عن الثمرة بحيث تستطيع أن تنزعها عنها بسهولة .. هذا هو الفاسق المبتعد عن منهج الله .. ينسلخ عنه بسهولة ويسر، لأنه غير ملتصق به .. وعندما تبتعد عن منهج الله فإنك لا ترتبط بأوامره ونواهيه .. فلا تؤدي الصلاة مثلا وتفعل ما نهى الله عنه لأنك فسقت عن دينه .. والذي أوجد الفسق هو أن الإنسان خلق مختارا .. قادرا على أن يفعل أو لا يفعل .. وبهذا الاختيار أفسد الإنسان نظام الكون .. فكل شيء ليس للإنسان اختيار فيه تراه يؤدي مهمته بدقة عالية كالشمس والقمر والنجوم والأرض .. كلها تتبع نظاما دقيقا لا يختل لأنها مقهورة .. ولو أن الإنسان لم يخلق مختارا .. لكان من المستحيل أن يفسق .. وأن يبتعد عن منهج الله ويفسد في الأرض .. ولكن هذا الاختيار هو أساس الفساد كله. | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:40 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 27 (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون "27") بعد أن شرح الله لنا مفهوم الإيمان. في أننا نتلقى عن الله وننفذ الحكم ولو لم نعرف الحكمة. فكل ما يأتي من الله نأخذه بمنطق الإيمان، وهو أن الله الذي قال. وليس بمنطق الكفر والتشكك. فكل شيء عن الله حكمته أنه صادر عن الحق سبحانه وتعالى. وأخبرنا الحق تبارك وتعالى أن الفاسقين هم المبتعدون عن منهج الله. وأراد الحق أن يبين لنا صفات الفاسقين. فحددها في ثلاث صفات .. أولا: الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه .. ثانيا: الذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل. ثالثا: الذين يفسدون في الأرض. ثم حدد لنا الحق تبارك وتعالى حكمهم فقال: أولئك هم الخاسرون. والخسران أن الذي وصلوا إليه هو من عملهم. لأنهم تركوا المنهج وبدأوا يشرعون لأنفسهم بهوى النفس. ولذلك يقول الحق جل جلاله عنهم:
{أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين "16" } (سورة البقرة)
إذن هم الذين اختاروا، وهم الذين اشتروا الضلالة ودفعوا ثمنها من هدى الله. فكأنهم عقدوا صفقة خاسرة. لأن هدى الله هو الذي يقودنا إلي الحياة الخالدة والنعيم الذي لا يزول. والحق سبحانه وتعالى يعطينا الصورة في قوله تعالى:
{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم "111" } (سورة التوبة)
إذن فالمؤمنون باعوا لله سبحانه وتعالى أموالهم وأنفسهم، وكانوا صادقين في عهدهم. أما الكفار والمنافقون، فقد باعوا هدى الله، واشتروا به ضلال الدنيا. فالحق سبحانه وتعالى ذكر لنا أول صفات الفاسقين أنهم لا عهد لهم. ليس بينهم وبين الناس فقط. ولكن لا عهد لهم مع الله أيضا. وكلما عاهدوا الله عهدا نقضوه.
{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد أن العهد كان مسئولا "34" } (سورة الإسراء)
ويقول تعالى:
{وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين "102" } (سورة الأعراف)
ما هو العهد الموثق الذي أخذه الله على عباده فنقضوه؟ أنه الإيمان الأول. الإيمان الفطري الموجود في كل منا. فالله سبحانه وتعالى أخذ من البشر جميعا عهدا، فوق به بعضهم ونقضه بعضهم. والله سبحانه وتعالى ذكر لنا في القرآن الكريم. أن هناك عهد موثقا بينه وبين ذرية آدم. فقال جل جلاله:
{وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين "172" } (سورة الأعراف)
وهكذا أخذ الله عهدا على ذرية آدم بأن يؤمنوا به وأشهدهم أنه ربهم. وجاءت الغفلة إلي القلوب بمرور الوقت. فنقضوا العهد واتخذوا آلهة من دون الله. إذن أول صفات الفاسقين أنهم نقضوا عهد الله. والذي ينقض عهدا مع بشر، فسلوكه هذا لا يقبله الحق سبحانه وتعالى حتى مع الكفار وغير المؤمنين. واقرأ قوله تبارك وتعالى:
{إلا الذين عهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلي مدتهم إن الله يحب المتقين "4" } (سورة التوبة | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:42 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 27 (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون "27") وهكذا نرى أن الحق تبارك وتعالى حين أعلن براءته وبراءة رسوله صلى الله عليه وسلم وبراءة المؤمنين من كل كافر مشرك في قضية إيمانية كبرى. حرم الله فيها على الكفار والمنافقين أن يقتربوا من بيته الحرام في مكة، احترم جل جلاله العهد. حتى مع المشركين. وطلب من المؤمنين أن يوفوا به. فإذا كان هذا هو المسلك الإيماني مع كل كافر ومشرك إن كنت قد عاهدته عهدا فأوف به إلي مدته. فكيف بالمشركين قد عاهدوا الخالق الأعظم. ثم ينقضون عهده الموثق. أنهم قد خانوا منهج الله وعهده. وإذا لم يكن لهم عهد مع الله سبحانه وتعالى فهل يكون لهم عهد مع خلق الله؟! إذن فالفاسقون أول صفاتهم أنه لا عهد لهم مع خالقهم ولا عهد لهم مع الناس. ولذلك لا نأمن لهم أبدا. ثم تأتي بعد ذلك الصفة الثانية للفاسقين في قوله تعالى: "ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل" وما أمر الله به أن يوصل هو صلة الرحم. فقد أمرنا الله تعالى بأن نصل أرحامنا. فنحن كلنا أولاد آدم. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع "كلكم وآدم من تراب". وهكذا نرى أن هناك روابط إنسانية يلفتنا الله سبحانه وتعالى إليها. وهذه الروابط تبدأ بالأسرة ثم تتسع لتشمل القرية أو الحي. ثم تتسع لتشمل الدولة والمجتمع، ثم تتسع لتشمل المؤمنين جميعا، ثم تتسع لتشمل العالم كله. هذه هي الأخوة الإنسانية التي يريد الحق تبارك وتعالى أن يلفتنا إليها. ولكن اللفتة هنا لا تقتصر على الناحية الإنسانية، بل تسجل أن ما فعلوا معصية، ومخالفة لأمر الله تعالى. فالله أمر بأن نصل الرحم. وجاء هؤلاء وخالفوا وعصوا ما أمر الله به. وقطعوا هذه الصلة. إذن فالمسألة فيها مخالفة لمنهج، وعصيان لأمر من أوامر الله سبحانه وتعالى. فصلة الرحم توجد نوعا من التكافل الاجتماعي بين البشر. فإذا حدث لشخص مصيبة .. أسرع أقاربه يقفون معه في محنته. ويحاول كل منهم أن يخفف عنه. هذا التلاحم بين الأسرة يجعلها قوية في مواجهة الأحداث. ولا يحس واحد منها بالضياع في هذا الكون، لأنه متماسك مع أسرته، متماسك مع حيه أو قريته. هكذا يختفي الحقد من المجتمع. ويختفي التفكك الأسري.. ولعلنا إذا نظرنا إلي المجتمعات الغربية التي يعتريها تفكك الأسرة. نجد أن كل واحد منهم قد ضل طريقه وانحرف لأنه أحس بالضياع. فانحرف إلي المخدرات أو إلي الخمر أو إلي الزنا وغير ذلك من الرذائل التي نراها. جيل ضائع. من الذي أضاعه؟ عدم صلة الرحم. وإذا تحدثنا عن الانحرافات التي نراها بين الشباب اليوم فلا نلوم الشباب، ولكن نلوم الآباء والأمهات الذين تركوا أولادهم وبناتهم وأهدروا صلة الرحم. فشب جيل يعاني من عقد نفسية لا حدود لها، أن الابن الذي يفقد جو الأسرة. يفقد ميزان حياته. والله سبحانه وتعالى يريد المؤمنين متضامنين متحابين خالين من كل العقد التي تحطم الحياة. إذن فعدم صلة الرحم تضيع أجيالا بأكملها. ونأتي بعد ذلك إلي الصفة الثالثة من صفات الفاسقين بقوله تعالى: "ويفسدون في الأرض". نقول: كل ما في الكون مخلوق على نظام: "قدر فهدى" أي كل شيء له هدى لابد أن يتبعه. ولكن الإنسان جاء في مجال الاختيار وأفسد قضية الصلاح في الكون. ومن رحمة الله أنه جعل في كونه خلقا يعمل مقهورا ليضبط حركة الكون الأعلى فالشمس والنجوم والأرض وكل الكون ما عدا الإنس والجان. يسير وفق نظام دقيق. لماذا؟ لأنه يسير بلا اختيار له. والحق جل جلاله أخبرنا بأنه لكي يعتدل ميزان حياتنا. الاختيار الإنساني أن نبتعد عن منهج الله. لأن الله له صفة القهر. فهو يستطيع أن يخلقنا مقهورين، ولكنه أعطانا الاختيار حتى نأتيه عن حب. وليس عن قهر. فأنت تحب الشهوات ولكنك تحب الله أكثر. فتقيد نفسك بمنهج الله. إذن فالاختيار لم يعط لنا لنفسد في الأرض. ولكنه أعطى لنا. لنأتي الله سبحانه وتعالى طائعين ولسنا مقهورين. ولذلك فكل منا مختار في أن يؤمن أولا يؤمن. وهذا الاختيار يثبت محبوبية الله سبحانه وتعالى في قلوبنا. ولكن الإنسان بدلا من أن يأخذ الاختيار ليأتي الله عن حب. فينال الجزاء الأعظم. أخذه ليفسد في الأرض .. والفساد أن تنقل مجال افعل ولا تفعل. فتضع هذه مكان هذه. فينقلب الميزان أي أنك فيما قال الله فيه افعل. لا تفعل، وفيما قال لا تفعل. تفعل .. فتكون قد جعلت ميزان حياتك معكوسا. لماذا؟ لأننا غير محكومين بقاعدة كلية تنظم حياة الناس. فكل واحد سيضع قاعدة له. وكل واحد لن يفعل ما عليه. فيحدث تصادم في الحياة. وكل فساد يشكل قبحا في الوجود. فهب أنك تسير في الطريق. وترى عمارة مبنية حديثا. قد تسربت المياه من مواسيرها. عندما ترى ذلك تتأذى. لأن هناك قبحا في الوجود. في عدم أمانة إنسان في عمله. إذن فحين يفسد عامل واحد. بعدم الإخلاص في عمله. يفقد الكون نعمة يحبها الله. في أن ترى الشيء الجميل. فتقول: الله.. فكل إنسان غير أمين في عمله. يفسد في الكون. وكل إنسان غير أمين في خلقه يفسد في الكون. ويعتدي على حرمات الآخرين وأموالهم. وهذا يجعل الكون قبيحا، فلا يوجد إنسان يأمن على عرضه وماله .. لقد أراد المعتدي أن يحقق ما ينفع به نفسه عاجلا. ولكنه أحدث فسادا في الكون كذلك عندما يغش التاجر الناس. وعندما يكتسب الإنسان المال بالنهب والسرقة. فيفتح الله عليه أسوأ مصارف المال في الوجود. فهو أخذ الحسرة بالفساد في الأرض. والفساد في الأرض أن تخرج الشيء عن حد اعتداله. فتسرف في شهواتك وتسرف في أطماعك. وتسرف في عقابك للناس. وتسرف باعتدائك على حقوق الغير. والفساد في الأرض. أن يوجد منهج مطبق غير منهج الله. إن غياب منهج الله معناه أن يصبح كل منا عبد أهوائه. وإذا صارت الأمور حسب أهواء الناس. جاءت لهم حركة الحياة بالشقاء والشر بدلا من السعادة والأمن. أن ما نراه اليوم من شكوى الناس علامة على الفساد. لأن معناها أن الناس تعاني ولا أحد يتحرك. ليرفع أسباب هذه الشكوى. ولن يستقيم أمر هذا الوجود، ويتخلص من الفساد إلا إذا حكمنا منهج لا هوى له. والذي لا هوى له هو خالق البشر. واضع ميزان الكون. وأول مظاهر الفساد. أن يوكل الأمر إلي غير أهله. لأنه إذا أعطى الأمر إلي غير أهله فانتظر الساعة. كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إذا وسد الأمر إلي غير أهله فانتظر الساعة". لماذا؟ لأن المجتمع ـ حينئذ ـ يكون مبنيا على النفاق واختلال الأمور، لا على الإتقان والإخلاص. فالذي يجيد النفاق هو الذي يصل إلي الدرجات العلا، والذي يتقن عمله لا يصل إلي شيء. وتكون النتيجة أن مجموعة من المنافقين الجهلة هم الذين يسيرون الأمور بدون علم. والفساد في الأرض هو أن يضيع الحق. ويضيع القيم. الآخرين. ويحس من يعمل ولا يصل إلي حقه .. أنه لا فائدة من العمل، فيتحول المجتمع كله إلي مجموعة من غير المنتجين. والفساد في الأرض هو أن نجعل عقولنا هي الحاكمة. فلا نتأمل في ميزان الكون الذي خلقه الله، وإنما نمضي بعقولنا نخطط .. فنقطع الأشجار ونرمي مخلفات المصانع في الأنهار فنفسدها. ونأتي بالكيماويات السامة نرش بها الزرع أو مجاري المياه والأنهار كما يحدث الآن فنملؤه سما ثم نأكله ثم نجد التلوث قد ملأ الكون. وطبقة الأوزون قد أصابها ضرر واضح يعرض حياة البشر على الأرض لأخطار كبيرة. وتفسد مياه الأنهار. ولا تصبح صالحة للشرب ولا للري. ويضيع الخير من الدنيا بالتدريج. والفساد في الأرض. هو أن ينتشر الظلم. وتصبح الحياة سلسلة لا تنتهي من الشقاء. والفساد في الأرض هو أن تضيع الأمانة. فتفسد المعاملات بين الناس. وتضيع الحقوق. هذه هي بعض أوجه الفساد في الأرض. والله سبحانه وتعالى قد وضع قانونا كليا، هو منهجه ليتعامل به الناس. ولكن الناس تركوه. ومشوا يتخبطون في ظلام الجهل | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:49 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 27 (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون "27") <قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استعمل رجلا من عصابة، وفيهم من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين">
وهكذا يكون مدى حرص الإسلام على استقامة أمور الناس. ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: "أولئك هم الخاسرون" خسروا ماذا؟ خسروا دنياهم وآخرتهم وخسروا أنفسهم. لأن الإنسان له حياتان .. حياة قصيرة في الدنيا مليئة بالمتاعب. وحياة طويلة خالدة في الآخرة. والذي يبيع الحياة الأبدية ونعيمها وخلودها بحياة الدنيا التي لا يضمن فيها شيئا، يكون من الخاسرين .. فعمر الإنسان قد يكون يوما أو شهرا أو عاما. والحياة الدنيا مهما طالت فهي قصيرة. ومهما أعطت فهو قليل. فالذي يبيع آخرته بهذه الدنيا، أيكون رابحا أم خاسرا؟ طبعا يكون خاسرا. لأنه اشترى مالا يساوي بنعيم الله كله. وإذا كان الإنسان قد نسى الله سبحانه وتعالى وهو لاقيه حتما. ثم يبعث يوم القيامة ليجده أمامه. فيوفيه حسابه. أيكون قد كسب أم خسر؟! .. طبعا يكون خاسرا. لأنه أوجب على نفسه عذاب الله. وأوجب على نفسه عقاب الله. أن قوله تعالى: "الخاسرون" تدل على أن الصفقة انتهت وضاع كل شيء لأن نتيجتها كانت الخسران، وليس الخسران موقوتا، ولا هو خسران يمكن أن يعوض في الصفقة القادمة. بل هو خسران أبدي، والندم عليها سيكون شديدا. واقرأ قوله تبارك وتعالى:
{إنا أنذرناكم عذاباً قريباً يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا "40" } (سورة النبأ)
لماذا يتمنى الكافر أن يكون ترابا؟ لهول العذاب الذي يراه أمامه. وهول الخسران الذي تعرض له. وهذا دليل على شدة الندم. يوم لا ينفع الندم. على أنه سبحانه وتعالى تحدث في هذه الآية عن الخاسرين. ولكنه جل جلاله. تحدث في آية أخرى عن الأخسرين. فقال تعالى:
{قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً "103" الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً "104" أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً "105" } (سورة الكهف)
إذن فهناك خاسر. وهناك من أخسر منه. والأخسر هو الذي كفر بالله جل جلاله. وبيوم القيامة. واعتقد أن حياته في الدنيا فقط. ولم يكن الله في باله وهو يعمل أي عمل، بل كانت الدنيا هي التي تشغله. ثم فوجئ بالحق سبحانه وتعالى يوم القيامة. ولم يحتسب له أية حسنة، لأنه كان يقصد بحسناته الحياة الدنيا. فلا يوجد له رصيد في الآخرة. والعجيب أنك ترى الناس. يعدون للحياة الدنيا إعدادا قويا. فيرسلون أولادهم إلي مدارس لغات. ويتحملون في ذلك مالا يطيقون. ثم يدفعونهم إلي الجامعات. أو إلي الدراسة في الخارج. هم في ذلك يعدونهم لمستقبل مظنون وليس يقينا. لأن الإنسان يمكن أن يموت وهو شاب. فيضيع كل ما أنفقوه من أجله. ويمكن أن ينحرف في آخر مراحل دراسته. فلا يحصل على شيء. ويمكن أن يتم هذا الإعداد كله، ثم بعد ذلك يرتكب جريمة يقضي فيها بقية عمره في السجن. فيضيع عمره. ولكن اليقين الذي لاشك فيه هو أننا جميعا سنلاقي الله سبحانه وتعالى يوم القيامة. وسيحاسبنا على أعمالنا. ومع أن هذا يقين، فإن كثيرا من الناس لا يلتفتون إليه. يسعون للمستقبل المظنون. ولا يحس واحد منهم بيقين الآخرة. فتجد قليلا من الآباء هم الذين يبذلون جهدا لحمل أبنائهم على الصلاة وعبادة الله والأمانة وكل ما يقربهم إلي الله .. أنهم ينسون النعيم الحقيقي. ويجرون وراء الزائل فتكون النتيجة عليهم وبالا في الآخرة. | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:51 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 28 (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون "28") كيف في اللغة للسؤال عن الحال. والحق سبحانه وتعالى أوردها في هذه الآية الكريمة ليس بغرض الاستفهام، ولكن لطلب تفسير أمر عجيب ما كان يجب أن يحدث. وبعد كل ما رواه الحق سبحانه وتعالى في آيات سابقة من أدلة دامغة عن خلق السماوات والأرض وخلق الناس .. أدلة لا يستطيع أحد أن ينكرها أو يخطئها .. فكيف بعد هذه الأدلة الواضحة تكفرون بالله؟ .. كفركم لا حجة لكم فيه ولا منطق .. والسؤال يكون مرة للتوبيخ .. كأن تقول لرجل كيف تسب أباك؟ أو للتعجب من شيء قد فعله وما كان يجب أن يفعله .. وكلاهما متلاقيان. سواء كان القصد التوبيخ أو التعجب فالقصد واحد .. فهذا ما كان يجب أن يصح منك. ثم يأتي الحق سبحانه وتعالى بأدلة أخرى لا يستطيع أحد أن ينكرها أو يكذب بها .. فيقول جل جلاله: "وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم". وهكذا ينتقل الكلام إلي أصل الحياة والموت. فبعد أن بين الحق سبحانه وتعالى .. ماذا يفعل الكافرون الفاسقون والمنافقون من إفساد في الأرض .. وقطع لما أمر الله سبحانه وتعالى به أن يوصل .. صعد الجدل إلي حديث عن الحياة والموت. وقوله تعالى "كنتم أمواتا فأحياكم" قضية لا تحتمل الجدل .. ربما استطاعوا المجادلة في مساءلة عدم اتباع المنهج، أو قطع ما أمر الله به أن يوصل .. ولكن قضية الحياة والموت لا يمكن لأحد أن يجادل فيها. فالله سبحانه وتعالى خلقنا من عدم .. ولم يدع أحد قط أنه خلق الناس أو خلق نفسه .. وعندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للناس أن الذي خلقكم هو الله .. لم يستطع أحد أن يكذبه ولن يستطيع .. ذلك أننا كنا فعلا غير موجودين في الدنيا .. والله سبحانه وتعالى هو الذي أوجدنا وأعطانا الحياة.. وقوله تعالى: "ثم يميتكم" .. فإن أحدا لا يشك في أنه سيموت .. الموت مقدر على الناس جميعا .. والخلق من العدم واقع بالدليل .. والموت واقع بالحس والمشاهدة .. إن قضية الموت هي سبيلنا لمواجهة أي ملحد .. فإن قالوا إن العقل كاف لإدارة الحياة .. وأنه لا يوجد شيء اسمه غيب .. قلنا: الذي تحكم في الخلق إيجادا، هو الذي يتحكم فيه موتا .. والحياة الدنيا هي مرحلة بين قوسين .. القوس الأول هو أن الله يخلقنا ويوجدنا .. وتمضي رحلة الحياة إلي القوس الثاني .. الذي تخمد فيه بشريتنا وتتوقف حياتنا وهو الموت. أي أننا في رحلة الحياة من الله وإليه .. إذن فحركة الحياة الدنيا هي بداية من الله بالحق ونهاية بالموت.. إنهم عندما تحدثوا عن أطفال الأنابيب .. وهي عملية لعلاج العقم أكثر من أي شيء آخر .. ولكنهم صوروها تصويرا جاهليا .. وكل ما يحدث أنهم يأخذون بويضة من رحم الأم التي يكون المهبل عندها مسدودا أو لا يسمح بالتلقيح الطبيعي .. يأخذون هذه البويضة من رحم الأم .. ويخصبونها بالحيوانات المنوية للزوج .. ثم يزرعونها في رحم الأم. إنهم أخذوا من خلق الله وهي بويضة الأم والحيوان المنوي من الرجل .. وكل ما يفعلونه هو عملية التلقيح ومع ذلك يسمونه أطفال الأنابيب .. كأن الأنبوبة يمكن أن تخلق طفلا!! والحقيقة غير ذلك .. فبويضة الأم، والحيوان المنوي للرجل هما من خلق الله .. وهم لم يخلقوا شيئا .. أننا نقول لهم: إذا كنتم تملكون الموت والحياة فامنعوا إنسانا واحدا أن يموت .. بدلا من إنفاق ألوف الجنيهات في معالجة عقم قد ينجح أو لا ينجح .. ابقوا واحدا على قيد الحياة .. ولن يستطيعوا.. إن الموت أمر حسي مشاهد .. ولذلك فمن رحمة الله بالعقل البشري بالنسبة للأحداث الغيبية أن الله سبحانه وتعالى قربها لنا بشيء مشاهد .. كيف؟ .. عندما ينظر الإنسان إلي نفسه وهو حي .. لا يعرف كيف أحياه الله وكيف خلقه .. الله سبحانه وتعالى ذكر لنا غيب الخلق في القرآن الكريم فقال جل جلاله أنه خلق الإنسان من تراب ومن طين ومن حمأ مسنون ثم نفخ فيه من روحه.. واقرأ قول الحق سبحانه:
{إن كنتم في ريبٍ من البعث فإنا خلقناكم من تراب } (من الآية 5 سورة الحج)
وقوله تعالى:
{ولقد خلقنا الإنسان من سلسلةٍ من طين "12" } (سورة المؤمنون)
وقوله تعالى:
{إنا خلقناهم من طينٍ لازب } (من الآية 11 سورة الصافات)
وقوله تعالى:
{ولقد خلقنا الإنسان من صلصالٍ من حمأٍ مسنونٍ "26" } (سورة الحجر)
وقوله تعالى:
{فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين "72" } (سورة ص) | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:52 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 28 (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون "28") فالحق تبارك وتعالى أخبرنا عن مرحلة في الخلق لم نشهدها .. ولكن الموت شيء مشهود لنا جميعا .. ومادام مشهودا لنا، يأتي الحق سبحانه وتعالى به كدليل على مراحل الخلق التي لم نشهدها .. فالموت نقض للحياة .. والحياة اخبرنا الله تبارك وتعالى بأطوارها .. ولكنها غيب لم نشهده .. ولكن الذي خلق قال أنا خلقتك من تراب .. من طين. من حمأ مسنون. من صلصال كالفخار .. فالماء وضع على تراب فأصبح طينا .. والطين تركناه فتغير لونه وأصبح صلصالا .. الصلصال .. جف فأصبح حمأ مسنونا، ثم نحته في صورة إنسان ونفخ الحق سبحانه وتعالى فيه الروح فأصبح بشرا .. ثم يأتي الموت وهو نقض للحياة .. ونقض كل شيء يأتي على عكس بنائه.. أول شيء يخرج من الجسد هو الروح وهو آخر ما دخل فيه .. ثم بعد ذلك يتصلب الجسد ويصبح كالحمأ المسنون .. ثم يتعفن فيصبح كالصلصال .. ثم يتبخر الماء الذي فيه فيعود ترابا .. وهكذا يكون الموت نقض صورة الحياة .. متفقا مع المراحل التي بينها لنا الحق سبحانه وتعالى .. وقوله تعالى: "ثم إليه ترجعون" .. أي أن الله تبارك وتعالى يبعثكم ليحاسبكم .. لقد حاول الكفار والملحدون وأصحاب الفلسفة المادية أن ينكروا قضية البعث .. وهم في هذا لم يأتوا بجديد .. بل جاءوا بالكلام نفسه الذي قاله أصحاب الجاهلية الأولى .. واقرأ قوله تعالى عما يقوله أصحاب الجاهلية الأولى:
{وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر } (من الآية 24 سورة الجنائية)
وأمنية الكافر والمسرف على نفسه .. إلا يكون هناك بعث أو حساب .. والذين يتعجبون من ذلك نقول لهم: أن الله سبحانه وتعالى الذي أوجدكم من عدم يستطيع أن يعيدكم وقد كنتم موجودين .. يقول جل جلاله:
{وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم "27" } (سورة الروم)
فإيجاد ما كان موجودا أسهل من الإيجاد من عدم على غير مثال موجود .. والله سبحانه وتعالى يرد على الكفار فيقول سبحانه:
{وضرب لنا مثلاً ونسى خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم "78" قل يحييها الذي أنشأها أول مرةٍ وهو بكل خلقٍ عليم "79"} (سورة يس)
وهكذا فإن البعث أهون على الله من بداية الخلق .. وكل شيء مكتوب عند الله سبحانه وتعالى في كتاب مبين .. وما أخذته الأرض من جسد الإنسان ترده يوم القيامة .. ليعود من جديد. وخلق السماوات والأرض اكبر من خلق الإنسان .. واقرأ قوله تعالى:
{لخلق السماوات والأرض اكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون "57" } (سورة غافر)
وقول الله سبحانه وتعالى: "ثم إليه ترجعون" .. هو اطمئنان لمن آمن .. ومادمنا إليه نرجع ومنه بدأنا .. فالحياة بدايتها من الله ونهايتها إلي الله .. فلنجعلها هي نفسها لله .. ولابد أن نلتفت إلي أن الله تبارك وتعالى أخفى عنا الموت زمانا ومكانا وسببا وعمرا .. لم يخفه ليحجبه، وإنما أخفاه حتى نتوقعه في كل لحظة .. وهذا إعلام واسع بالموت حتى يسرع الناس إلي العمل الصالح .. وإلي المثوبة. لأنه لا يوجد عمر متيقن في الدنيا .. فلا الصغير آمن على عمره .. ولا الشاب آمن على عمره .. ولا الكهل آمن على عمره .. ولذلك يجب أن يسارع كل منا في الخيرات .. حتى لا يفاجئه الموت .. فيموت وهو عاص .. ونلاحظ أن قصة الحياة جاء الله بها في آية واحدة. والرجوع إلي الله ـ وهو يقين بالنسبة للمؤمنين ـ يلزمهم بالمنهج، فيعشون من حلال. والتزامهم هذا هو الذي يقودهم إلي طريق الجنة. ويطمئنهم على أولادهم بعد أن يرحل الآباء من الدنيا. فعمل الرجل الصالح ينعكس على أولاده من بعده. واقرأ قوله سبحانه وتعالى:
{وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً "9" } (سورة النساء)
إذن فصاحب الالتزام بالمنهج، يطمئن إلي لقاء ربه ويطمئن إلي جزائه، والذي لا يؤمن بالآخرة أخذ من الله الحياة فأفناها فيما لا ينفع. ثم بعد ذلك لا يجد شيئا إلا الحساب والنار .. واقرأ قوله تبارك وتعالى:
{والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب "39"} (سورة النور)
أي أن الكافر سيفاجأ في الآخرة بالله الذي لم يكن في باله أنه سيحاسبه على ما فعل .. وقوله تعالى "وإليه ترجعون" تقرأ قراءتان. بصمة على التاء. ومرة بفتحة على التاء. الأولى معناها. أننا نجبر على الرجوع. فلا يكون الرجوع إلي الله تعالى بإرادتنا، وهذا ينطبق على الكفار الذين يتمنون عدم الرجوع إلي الله. أما الثانية "ترجعون" فهذه فيها إرادة. وهي تنطبق على المؤمنين لأنهم يتمنون الرجوع إلي الله. | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:53 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 29 (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلي السماء فسواهن سبع سماواتٍ وهو بكل شيء عليم "29") يذكرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أنه هو الذي خلق ما في الأرض جميعا. وقد جاءت هذه الآية بعد قوله تعالى: "فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون" لتلفتنا إلي أن ما في الأرض كله ملك لله جل جلاله، وأننا لا نملك شيئا إلا ملكية مؤقتة. وأن ما لنا في الدنيا سيصير لغيرنا. وهكذا. والحق سبحانه وتعالى حين خلق الحياة وقال "كنتم أمواتا فأحياكم" كأن الحياة تحتاج إلي إمداد من الخالق للمخلوق حتى يمكن أن تستمر. فلابد لكي تستمر الحياة أن يستمر الإمداد بالنعم. ولكن النعم تظل طوال فترة الحياة، وعند الموت تنتهي علاقة الإنسان بنعم الدنيا. ولذلك لابد أن يتنبه الإنسان إلي أن الأشياء مسخرة له في الدنيا لتخدمه. وأن هذا التسخير ليس بقدرات أحد. ولكن بقدرة الله سبحانه وتعالى. والإنسان لا يدري كيف تم الخلق. ولا ما هي مراحله إلا أن يخبرنا الله سبحانه وتعالى بها. فهو جل جلاله يقول:
{ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضداً "51"} (سورة الكهف)
وماداموا لم يشهدوا خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم. فلابد أن نأخذ ذلك عن الله ما ينبئنا به الله عن خلق السماوات والأرض وعن خلقنا هو الحقيقة وما يأتينا عن غير الله سبحانه وتعالى فهو ضلال وزيف. ونحن الآن نجد بحوثا كثيرة عن كيفية السماوات والأرض وخلق السماوات والأرض وخلق الإنسان. وكلها لن تصل إلي حقيقة. بل ستظل نظريات بلا دليل. ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: "وما كنت متخذ المضلين عضدا" أي أن هناك من سيأتي ويضل. ويقول هكذا تم خلق السماوات والأرض، وهكذا خلق الإنسان. هؤلاء المضلون الذين جاءوا بأشياء هي من علم الله وحده. جاءوا تثبيتا لمنهج الإيمان. فلو لم يأت هؤلاء المضلون، ولو لم يقولوا خلقت الأرض بطريقة كذا والسماء بطريقة كذا. لقلنا أن الله تعالى قد أخبرنا في كتابه العزيز أن هناك من سيأتي ويضل في خلق الكون وخلق الإنسان ولكن كونهم أتوا. فهذا دليل على صدق القرآن الذي أنبأنا بمجيئهم قبل أن يأتوا بقرون. والاستفادة من الشيء لا تقتضي معرفة أسراره .. فنحن مثلا نستخدم الكهرباء مع أننا لا نعرف ما هي؟ وكذلك نعيش على الأرض ونستفيد بكل ظواهرها وكل ما سخره الله لنا. وعدم علمنا بسر الخلق والإيجاد لا يحرمنا هذه الفائدة. فهو علم لا ينفع وجهل لا يضر. والكون مسخر لخدمة الإنسان. والتسخير معناه التذليل ولا تتمرد ظواهر الكون على الإنسان. وإذا كانت هناك ظواهر في الكون تتمرد بقدر الله. مثل الفيضانات والبراكين والكوارث الطبيعية. نقول أن ذلك يحدث ليلفتنا الحق سبحانه وتعالى إلي أن كل ما في الكون لا يخدمنا بذاتنا. ولا بسيطرتنا عليه، وإنما يخدمنا بأمر الله له، وإلا لو كانت المخلوقات تخدمك بذاتك. فأقدر عليها حينما تتمرد على خدمتك. وكل ما في الكون خاضع لطلاقة القدرة الآلهية. فالأسباب والمسببات في الكون لا تخرج عن إرادة الله. لذلك إذا تمرد الماء بالطوفان. وتمرد الرياح بالعاصفة. وتمردت الأرض بالزلازل والبراكين. فما ذلك إلا ليعرف الإنسان أنه ليس بقدرته أن يسيطر على الكون الذي يعيش فيه. واقرأ قوله سبحانه وتعالى:
{أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون "71" وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون "72"} (سورة يس)
والإنسان عاجز عن أن يخضع حيوانا إلا بتذليل الله له .. ومن العجيب أنك ترى الحيوانات تدرك ما لا يدركه الإنسان في الكون. فهي تحس بالزلزال قبل أن يقع. وتخرج من مكان الزلزال هاربة. بينما الإنسان لا يستطيع بعقله أن يفهم ما سيحدث. والحق سبحانه وتعالى في قوله: "خلق لكم ما في الأرض جميعا" يستوعب كل أجناس الأرض. ولذلك فإن الإنسان لا يستطيع أن يوجد شيئا إلا من موجود. أي أن الإنسان لم يستحدث شيئا في الكون. فأنت إذا أخذت حبة القمح. من أين جئنا بها؟ من محصول العام الماضي .. ومحصول العالم الماضي. من أين جاء؟ .. من محصول العام الذي قبله. وهكذا يظل تسلسل الأشياء حتى تصل إلي حبة القمح الأولى. من أين جاءت؟ بالخلق المباشر من الله. سبحانه وتعالى. فإذا حاولت أن تصل إلي أصل وجود الإنسان. ستجد بالمنطق والعقل .. أن بداية الخلق هي من ذكر وأنثى. خلقا بالخلق المباشر من الله سبحانه وتعالى. وما ينطبق على الإنسان ينطبق على الحيوان وعلى النبات وعلى الجماد. فكل شيء إذا رددته لأصله تجد أنه لابد أن يبدأ بخلق مباشر من الله سبحانه وتعالى. بعض الناس يتساءل عن الرقي والحضارة وهذه الاختراعات الجديدة. أليس للإنسان فيها خلق؟ .. نقول فيها خلق من موجود. والله سبحانه وتعالى كشف من علمه للبشر ما يستطيعون باستخدام المواد التي خلقها الله في الأرض أن يرتقوا ويصنعوا أشياء جديدة. ولكننا لم نجد ولم نسمع عن إنسان خلق مادة من عدم. الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق كل ما في هذا الكون من عدم. ثم بعد ذلك تكاثرت المخلوقات بقوانين سخرها الله سبحانه وتعالى لها. ولكن كل هذا التطور راجع إلي أن الله خلق المخلوقات وأعطاها خاصية التناسل والتزاوج لتستمر الحياة جيلا بعد جيل. وكل خلق الله الذي تراه في الكون الآن قد وضع الله سبحانه وتعالى فيه من قوانين الأسباب ما يعطيه استمرارية الحياة من جيل إلي جيل حتى ينتهي الكون. فإذا قال لك إنسان: أنا أزرع بذكائي وعلمي. فقل له: أنت تأتي بالبذرة التي خلقها الله. وتضعها في الأرض المخلوقة لله. وينزل الله سبحانه وتعالى الماء عليها من السماء. وتنبت بقدرة الله الذي وضع فيها غذاءها وطريقة إنباتها. إذن فكل ما يحدث أنك تحرث الأرض وترمي البذرة. يقول الحق سبحانه وتعالى:
{أفرءيتم ما تحرثون "63" ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون "64" } (سورة الواقعة)
صحيح أن الإنسان يقوم بحرث الأرض ورمي البذرة. وربما تعهد الزرع بالعناية الري. ولكن ليس في كل ما يفعله مهمة خلق. بل أن الله سبحانه وتعالى هو خالق كل شيء. ولو كنت تزرع بقدرتك فأت ببذرة من غير خلق الله. وأرض لم يخلقها الله. وماء لم ينزله الله من السماء. وطبعا لن تستطيع .. ولكن ما هو مصدر الأشياء التي استحدثت؟ نقول إن هناك فرقا بين وجود الشيء بالقوة. وجوده بالفعل .. فالنخلة مثلا حبة كانت موجودة بالقوة. كانت نواة. ثم زرعت فأصبحت موجودة بالفعل. وأنت لا عمل لك في الحالتين فلا أنت بقوتك خلقت النواة ـ التي هي البذرة ـ ولا أنت بفعلك جعلت النواة تكبر. لتصير نخلة بالفعل. على أن هناك أشياء مطمورة في الكون. خلقها الله سبحانه وتعالى مع بداية الخلق. ثم تركها مطمورة في الكون. حتى كشفها الله لمن يبحث عن أسراره في كونه. | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:54 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 29 (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلي السماء فسواهن سبع سماواتٍ وهو بكل شيء عليم "29") وكل كشف له ميلاد. إذا أخذنا مثلا ما تحت الثرى. أو الكنوز الموجودة تحت سطح الأرض. لقد ظلت مطمورة حتى هدى الله الإنسان إليها. وعلمه كيف يستخرجها. فالإنسان لم يخترع مثلا أو يوجد البترول أو المعادن. ولكنها كلها كانت مطمورة في الكون حتى جاء الوقت الذي يجب أن نؤدي فيه دورها في الحياة. فدلنا الحق عليها، فليس معنى أن الشيء كان غائبا عنا أنه لم يكن موجودا. أو أنه وجد لحظة اكتشافنا له. فالشيء الحادث الآن، والشيء الذي سيحدث بعد سنوات .. خلق الله سبحانه وتعالى كل عناصره. وأودعها في الأرض لحظة الخلق. والإنسان بما يكشف الله له من علم يستطيع تركيب هذه العناصر. ولكنه لا يستطيع خلقها أو إيجادها. والحق سبحانه وتعالى يقول: "ثم استوى إلي السماء". حينما يقول الله جل جلاله. استوى .. يجب أن نفهم كل شيء متعلق بذات الله على أنه سبحانه ليس كمثله شيء. فالله استوى والملوك تستوي على عروشها. وأنت تستوي على كرسيك. ولكن لأننا محكومون بقضية "ليس كمثله شيء" لابد أن نعرف أن استواء الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء والله حي. وأنت حي هل حياتك كحياته؟ والله سبحانه وتعالى يعلم وأنت تعلم هل علمك كعلمه؟ والله سبحانه وتعالى يقدر. وأنت تقدر. هل قدرتك كقدرته. طبعا لا. فعندما تأتي إلي "استوى" فلا تحال أن تفهمها أبدا بالمفهوم البشري .. فالله سبحان وتعالى يعلم ما في الأرض وما في السماء. وهو سبحانه يعلم المكان بكل ذراته. والموجودين في هذا المكان أو المكين. بكل ذراته. وأنت تعرف ظاهر الأمر .. والله سبحانه وتعالى يعلم غيب السماوات والأرض حتى يوم القيامة. وبعد يوم القيامة إذن فهو جل جلاله. ليس كمثله شيء. ولا يمكن أن تحيط أنت بعقلك بفعل يتعلق بذات الله سبحانه وتعالى. فعقلك قاصر عن أن يدرك ذلك. لذلك قل سبحان الله. ليس كمثله شيء في كل فعل يتصل بذات الله: "استوى إلي السماء" هذا الكلام هو كلام الله. فالمتحدث هو الله عز وجل. بعض الناس يقولون تلقينا القرآن وحفظناه. نقول لهم أن الذي حفظ القرآن هو الله سبحانه وتعالى. ومادام قد حفظ كلامه فهو جل جلاله يعلم أن الوجود كله لن يتعارض مع القرآن الكريم .. والله سبحانه وتعالى حفظ القرآن ليكون حجة له على الناس. ومادام الله جل جلاله هو الخالق. وهو القائل. فلا توجد حقيقة في الكون كله تتصادم مع القرآن الكريم .. واقرأ قوله سبحانه وتعالى:
{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "9" } (سورة الحجر)
وهذا من عظمة الله أن حفظ كلامه ليكون حجة على الناس. والله سبحانه وتعالى وجدت صفاته قبل أن توجد متعلقات هذه الصفات. فهو جل جلاله. خلق لأنه خالق. كأن صفة الخلق وجدت أولا. وإلا كيف خلق أول خلقه. أن لم يكن سبحانه وتعالى خالقا؟ والله سبحانه وتعالى رزاق. قبل أن يوجد من يرزقه. وإلا فبأي قدرة رزق الله أول خلقه؟ والله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون بكمال صفاته. وشهد أنه لا إله إلا هو قبل أن يشهد أي من خل الله أنه لا إله إلا الله. واقرأ قوله تعالى:
{شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط } (من الآية 18 سورة آل عمران)
فالله سبحانه وتعالى شهد أنه لا إله إلا هو قبل أن يوجد أحد من خلقه يشهد بوحدانية ألوهيته. شهد أنه لا إله إلا هو قبل أن يخلق الملائكة. ليشهدوا شهادة مشهد بأنه لا إله إلا الله. وأولوا العلم شهادة علم. فكأن شهادة الذات للذات. في قوله تعالى "شهد الله أنه لا إله إلا هو" هي التي يعتد بها، وهي أقوى الشهادات؛ فالله ليس محتاجا من خلقه إلي امتداد الشهادة. الله سبحانه وتعالى: بعد أن خلق الأرض وخلق السماء واستتب له الأمر. قال "وهو بكل شيء عليم" أي لا تغيب ذرة من ملكه عن علمه. فهو عليم بكل ذرات الأرض وكل ذرات الناس. وكل ذرات الكون. والكون كله لا يفعل إلا بأذنه ومراده. واقرأ قوله تعالى:
{يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرةٍ أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير "16" } (سورة لقمان) | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:54 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 30 (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون "30") بعد أن أخبرنا الحق سبحانه وتعالى. أنه خلق جميع ما في الكون. أراد أن يخبرنا عمن خلفه لعمارة هذا الكون. فكأن القصة التي بدأ الله سبحانه وتعالى بها قصص القرآن كانت هي قصة آدم أول الخلق. ولقد وردت هذه القصة في القرآن الكريم كثيرا لتدلنا لماذا أخبرنا الحق سبحانه وتعالى بهذه القصة؟ وجاءت لتدلنا أيضا على صدق البلاغ عن الله. واقرأ قوله تعالى:
{نحن نقص عليك نبأهم بالحق} (من الآية 13 سورة الكهف)
كلمة الحق التي جاءت هنا لتدلنا على أن هناك قصصا. ولكن بغير حق. والله سبحانه وتعالى أراد أن يخرج قصصه عن دائرة القصص التي يتداولها الناس أو قصص التاريخ لإمكان مخالفتها الواقع وتأتي بغير حق. وهناك قصص تروي في الدنيا ولا واقع لها، بل هي من قبيل الخيال. وكلمة قصة. مأخوذة من قص الأثر. بمعنى أن يتبع قصاص الأثر في الصحراء الآثار التي يشاهدها على الرمال حتى يصل إلي مراده. عندما يصل إلي نهاية الأثر .. ومادمنا قد عرفنا أن الله يقص الحق. نعرف أن قصص القرآن الكريم كلها أحداث وقعت فعلا. ولكل قصة في القرآن عبرة. أو شيء مهم يريد الحق سبحانه وتعالى أن يلفتنا إليه. فمرة تكون القصة لتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيت المؤمنين: واقرأ قوله تعالى:
{وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك } (من الآية 120 سورة هود)
فكل قصة تثبت فؤاد الرسول والمؤمنين في المواقف التي تزلزلهم فيها الأحداث. وقصص القرآن ليست لقتل الوقت. ولكن الهدف الأسمى للقصة هو تثبيت ونفع حركة الحياة الإيمانية. ولو نظرنا إلي قصص القرآن الكريم نجد أنها تتحدث عن أشياء مضت وأصبحت تاريخا. والتاريخ يربط الأحداث بأزمانها. وقد يكون التاريخ لشخص لا لحدث. ولكن الشخص حدث من أحداث الدنيا. ولو قرأت تاريخ كل حدث لوجدت أنه يعبر عن وجهة نظر راويه. فكل قصص التاريخ كتبت من وجهات نظر من رووها. ولذلك. فالقصة الواحدة تختلف باختلاف الراوي. ولكن قصص القرآن الكريم. هو القصص الحق .. والعبرة في قصص القرآن الكريم أنها تنقل لنا أحداثا في التاريخ. تتكرر على مر الزمن. ففرعون مثلا هو كل حاكم يريد أن يعبد في الأرض. وأهل الكهف مثلا هي قصة كل فئة مؤمنة هربت من طغيان الكفر وانعزلت لتعبد الله. وقصة يوسف عليه السلام هي قصة كل أخوة نزغ الشيطان بينهم فجعلهم يحقدون على بعضهم. وقصة ذي القرنين هي قصة كل حاكم مصلح أعطاه الله سبحانه الأسباب في الدنيا ومكنه في الأرض. فعمل بمنهج الله وبما يرضي الله. وقصة صالح هي قصة كل قوم طلبوا معجزة من الله. فحققها لهم فكفروا بها. وقصة شعيب عليه السلام .. هي قصة كل قوم سرقوا في الميزان والمكيال. وهكذا كل قصص القرآن. قصص تتكرر في كل زمان. حتى في الوقت الذي نعيش فيه تجد فيه أكثر من فرعون. وأكثر من أهل كهف يفرون بدينهم. وأكثر من قارون يعبد المال والذهب .. ويحسب أنه استغنى عن الله. ولذلك جاءت شخصيات قصص القرآن مجهلة إلا قصة واحدة هي قصة عيسى بن مريم ومريم ابنة عمران. لماذا؟ لأنها معجزة لن تتكرر. ولذلك عرفها الله لنا فقال "مريم ابنة عمران" وقال "عيسى بن مريم" حتى لا يلتبس الأمر. وتدعي أي امرأة أنها حملت بدون رجل. مثل مريم. نقول: لا. معجزة مريم لن تتكرر. ولذلك حددها الله تعالى بالاسم. فقال: عيسى بن مريم. ومريم ابنة عمران .. أما باقي قصص القرآن الكريم فقد جاءت مجهلة. فلم يقل لنا الله تعالى من هو فرعون موسى. ولا من هم أهل الكهف ولا من هو ذو القرنين ولا من هو صاحب الجنتين. إلي آخر ما جاء في القرآن الكريم. لأنه ليس المقصود بهذه القصص شخصا بعينه. لا تتكرر القصة مع غيره، وبعض الناس يشغلون أنفسهم بمن هو فرعون موسى؟ ومن هو ذو القرنين .. الخ نقول لهم لن تصلوا إلي شيء لأن الله سبحانه وتعالى قد روى لنا القصة دون توضيح للأشخاص. لنعرف أنه ليس المقصود شخصا بعينه. ولكن المقصود هو الحكمة من القصة. والقصص في القرآن لا ترد مكررة. وقد يأتي بعض منها في آيات. وبعض منها في آيات أخرى. ولكن اللقطة مختلفة. تعطينا في كل آية معلومة جديدة. بحث أنك إذا جمعت كل الآيات التي ذكرت في القرآن الكريم. تجد أمامك قصة كاملة متكاملة. كل آية تضيف شيئا جديدا. وأكبر القصص في القرآن الكريم. قصة موسى عليه السلام. ويذكرنا القرآن الكريم بها دائما لأن أحداثها تعالج قصة أسوأ البشر في التاريخ. وفي كل مناسبة يذكرنا الله بلقطة من حياة هؤلاء. واقرأ قوله تعالى:
{وأوحينا إلي أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين "7"} (من الآية 7 سورة القصص)
وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه وتعالى:
{إذا أوحينا إلي أمك ما يوحي "38" أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له } (من الآية 38،39 سورة طه) | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:56 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 30 (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون "30") والفهم السطحي يظن أن هذا تكرار ونقول لا. فقوله تعالى: "وأوحينا إلي أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم". وهذه اللقطة تدل على أن الله سبحانه وتعالى يعد أم موسى إعدادا إيمانيا للحدث. ولكن عند وقوع الحدث تتغير القصة على نمط سريع "أن اقذفيه في التابوت" فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل". كلام يناسب لحظة وقوع الحدث .. فالآية الأولى .. بينت لنا أن أم موسى أرضعته قبل أن تضعه في التابوت .. وأنها ستلقيه في اليم عندما يحدث خطر وتخاف عليه من القتل. وفيه تطمين لها. ألا تخاف ولا تحزن. لأن الله منجيه. وفيها بشارتان: أن الله سيرده لأمه. وأن الله قد اختاره رسولا. نأتي إلي الآية الثانية التي تكمل لنا هذه اللقطة فتول "اقذفيه في التابوت" هنا نعرف أن أم موسى ستلقيه في تابوت، وهو ما لم يذكر في الآية السابقة. ثم بعد ذلك نعلم أن الله سبحانه وتعالى أصدر أمره إلي الماء أن يلقي التابوت إلي الساحل. وهذا ما لم يرد في الآية السابقة. ونعرف أيضا أن الذي سيأخذه هو فرعون. ستكون بينهما عداوة متبادلة .. وهكذا نرى أن آيتي القصة. يكمل بعضهما بعضا. وليس هناك تكرار. والله سبحانه وتعالى في الآية الثانية يريد أن يثبت أنه ستكون هناك عداوة متبادلة بين موسى وفرعون .. كما أثبتت عداوة فرعون لله جل جلاله ولموسى، فقال: "عدو لي وعدو له" ولكن العداوة لا تستقر إلا إذا كانت متبادلة. فتأتي آية ثالثة لتكمل الصورة .. في قوله تعالى:
{فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً} (من الآية 8 سورة القصص)
وهكذا بينت لنا الآية الكريمة كيف أن العداوة بين فرعون وموسى ستستقر حتى يقضي على فرعون. لأنه إذا كان إنسان عدوا لك. وأنت تقابل العداوة بالإحسان تخمد العداوة بعد قليل. إذن هذه الآيات ليست تكرارا ولكنها آيات تكمل القصة .. وتعطينا الصورة الكاملة المتكاملة. ولكن لماذا لم تأت قصة موسى متكاملة كقصة يوسف؟ لأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يثبت بها نبينا عليه الصلاة والسلام والمؤمنين. فتأتي هنا لقطة وهنا لقطة لتؤدي ما هو مطلوب من التثبيت بما لا يخل .. لأن الآيات تعطينا القصة متكاملة. وهكذا قصة آدم. جاءت لنا في آيات متعددة؛ لتعطينا في مجموعها قصة كاملة. وفي الوقت نفسه كل آية لها حكمة يحتاج إليها التوقيت الذي نزلت فيه .. فالله سبحانه وتعالى يروي لنا بداية الخلق.
<ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب">
والحق سبحانه وتعالى يريد أن يعرفنا كيف بدأ الخلق. وقصة عداوة إبليس لآدم وذريته .. فتكلم الله سبحانه وتعالى عن أول البشر. عرفنا اسمه. وهو آدم عليه السلام. وتكلم عن المادة التي خلق منها. وتكلم عن المنهج الذي وضعه لآدم. وحدثنا عن النقاش الذي دار مع الملائكة. كما أخبرنا بأن آدم سيكون خليفة في الأرض. وأنه علمه الأسماء كلها ليقود حركة حياته. وعلمنا منطق علم الأشياء. وعلم مسمياتها. وحدثنا عن الحوار الذي حدث بين إبليس أمام ربه حينما أبى السجود. وبين لنا حجة إبليس في الامتناع عن السجود، وخطة إبليس ومدخله إلي قلوب المؤمنين بالإغواء والوسوسة وغير ذلك. إذن فهناك أشياء كثيرة تتعرض لها قصة آدم، ولو أن بشرا يريد أن يؤرخ لآدم ما استطاع أن يأتي بكل هذه اللقطات. ولكن الحق سبحانه وتعالى جعل كل لقطة تأتي للتثبيت. والآية الكريمة التي نحن بصددها لم تأت في الأعراف ولا في الحجر ولا في الإسراء ولا في الكهف ولا في طه. وبهذا نعرف أنه ليس هناك تكرار .. فالله سبحانه وتعالى أخبر ملائكته أنه جاعل في الأرض خليفة. هنا لابد لنا من وقفة. أخلق آدم كفرد. أم خلقه الله وكل ذريته مطمورة فيه إلي يوم القيامة، إذا قرأنا القرآن الكريم نجد أن الله سبحانه وتعالى يقول:
{ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} (من الآية 11 سورة الأعراف)
الخطاب هنا للجميع. لآدم وذريته. فكأنه سبحانه وتعالى يشير إلي أن الأصل الأول للخلق آدم، وهو مطمور فيه صفات المخلوقين من ذريته إلي أن تقوم الساعة وراثة. أي أنه ساعة خلق آدم .. كان فيه الذرات التي سيأخذ منها الخلق كله. هذا عن هذا .. حتى قيام الساعة. ولقد قلت إن كل واحد منا فيه ذرة أو جزئ من آدم، فأولاد آدم أخذوا منه والجيل الذي بعدهم أخذ من الميكروب الحي الذي أودعه آدم في أولاده. والذين بعدهم أخذوا أيضا من الجزيء الحي الذي خلق في الأصل مع آدم. وكذلك الذين بعدهم. والذين بعدهم. والحياة لابد أن تكون حلقة متصلة. كل منا يأخذ من الذي قبله ويعطي الذي بعده. ولو كان هناك حلقة مفقودة. لتوقفت الحياة. كأن يموت الرجل قبل أن يتزوج. فلا تكون له ذرية من بعده. تتوقف حلقة الحياة. فكون حلقة الحياة مستمرة. دليل أنها حياة متصلة. لم تتوقف. ومادامت الحياة من عهد آدم إلي يومنا هذا متصلة. فلابد أن يكون في كل منا ذرة من آدم الذي هو بداية الحياة وأصلها. وانتقلت بعده الحياة في حلقات متصلة إلي يومنا هذا وستظل إلي يوم القيامة. فأنا الآن حي. لأنني نشأت من ميكروب حي من أبي. وأبي أخذ حياته من ميكروب حي من أبيه. وهكذا حتى تصل إلي آدم، إذن فأنت مخلوق من جزيء حي فيه الحياة لم تتوقف منذ آدم إلي يومنا هذا. ولو توقفت لما كان لك وجود. إذن فحياة الذين يعيشون الآن موصولة بآدم. لم يطرأ عليها موت. والذين سيعيشون وقت قيام الساعة حياتهم أيضا موصولة بآدم أول الخلق. والحق سبحانه وتعالى. حين أمر الملائكة بالسجود لآدم. فإنهم سجدوا لآدم ولذريته إلي أن تقوم الساعة. وذرية آدم كانت مطمورة في ظهره. وشهدت الخلق الأول. إذن فقول الحق سبحانه وتعالى: "لقد خلقناكم ثم صورناكم" فيه جزئية جديدة لقصة الخلق. وقوله تعالى: "وإذا قال ربك للملائكة" أي أن الله سبحانه وتعالى يطلب من سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أن يقول أنه عند خلق آدم. خلقه خليفة في الأرض. والكلام هنا لا يعني أن الله سبحانه وتعالى يستشير أحدا في الخلق. بدليل أنه قال "أني جاعل" إذن فهو أمر مفروغ منه. ولكنه إعلام للملائكة .. والله سبحانه وتعالى. عندما يحدث الملائكة عن ذلك فلأن لهم مع آدم مهمة. فهناك المدبرات أمرا. والحفظة الكرام. وغيرهم من الملائكة الذين سيكلفهم الحق سبحانه وتعالى بمهام متعددة تتصل بحياة هذا المخلوق الجديد. فكان الإعلام. لأن للملائكة عملا مع هذا الخليفة. قد يقول بعض الناس. أن حياة الإنسان على الأرض تخضع لقوانين ونواميس نقول ما يدريك أن وراء كل ناموس ملكا؟ ولكن هذا الخليفة سيخلف من؟ قد يخلف بعضه بعضا. في هذه الحالة يكون هنا إعلام من الله بأن كل إنسان سيموت ويخلفه غيره. فلو كانوا جميعا سيعيشون ما خلف بعضهم بعضا. وقد يكون الإنسان خليفة لجنس آخر. ولكن الله سبحانه وتعالى .. نفى أن يخلف الإنسان جنسا آخر. واقرأ قوله جل جلاله:
{... إن يشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ "19" وما ذلك على الله بعزيز "20" } (سورة إبراهيم | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:57 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 30 (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون "30") والخلق الجديد هو من نوع الخلق نفسه الذي أهلكه الله. والله سبحانه وتعالى يخبرنا أن البشر سيخلفون بعضهم إلي يوم القيامة .. فيقول جل جلاله:
{فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا "59" } (سورة مريم)
ولكن هذا يطلق عليه خلف. ولا يطلق عليه خليفة. والشاعر يقول: ذهب الذين يعاش في اكـنافهم وبقـيت في خلف كجلد الأجرب ولكن الله جعل الملائكة يسجدون لآدم ساعة الخلق وجعل الكون مسخرا له فكأنه خليفة الله في أرضه. أمده بعطاء الأسباب. فخضع الكون له بإرادة الله. وليس بإرادة الإنسان. والله سبحانه وتعالى يقول في حديث قدسي: "يا بن آدم تفرغ لعبادي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك .. وإلا تفعل ملأت يدك شغلا ولم أسد فقرك". إذن كلمة خليفة. تأخذ عدة معان .. ماذا قالت الملائكة: "قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك". كيف عرف الملائكة ذلك؟ لابد أن هناك حالة قبلها قاسوا عليها. أو أنهم ظنوا أن آدم سيطغى في الأرض. ولكن كلمة سفك وكلمة دم. كيف عرفتهما الملائكة وهي لم تحدث بعد؟ لابد أنهم عرفوها من حياة سابقة. والله سبحانه وتعالى يقول:
{والجان خلقناه من قبل من نار السموم "27" } (سورة الحجر)
فكأن الجن قد خلق قبل الإنسان. وقوله تعالى: "أني أعلم ما لا تعلمون". معنى ذلك أن علمك أيها المخلوق مناسب لمخلوقيتك. أما علم الله سبحانه وتعالى .. فهو أزلي لا نهائي. ولكن هل قال الملائكة حين أخبرهم الله بخلق آدم ذلك علنا أم أسروه في أنفسهم؟ سواء قالوه أم أسروه. فقد علمه الله. لأنه يعلم ما يسرون وما يعلنون. وأنه يعلم السر وأخفى. فما هو السر. وما هو الأخفى من السر؟ السر هو ما أسررته إلي غيرك. فما أسر به إلي غيري. فهو السر. وما أخفيه في صدري ولا يطلع عليه أحد. هو أخفى من السر. فلا يقال أسررت إلا إذا بحت به لغيري. أما ما أخفيه في صدري. فلا يعلمه أحد إلا الله. فهذا هو ما أخفى من السر. وعندما يقول الحق سبحانه وتعالى: "إني أعلم ما لا تعلمون" أراد أن يعطي القضية بعدها الحقيقي. وقد حكى القرآن الكريم قول الملائكة: "ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك".والتسبيح هو التنزيه عما لا يليق بذات المنزه. والتقديس هو التطهير .. مأخوذ من القدس وهو الدلو الذي كانوا يتطهرون به. ولذلك نحن نقول سبوح قدوس. سبوح أي منزه عن كل ما لا يليق بجلاله. وقدوس. أي مطهر .. التسبيح يحتاج إلي مسبح. وإلي ما نسبحه. والملائكة قالوا: "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا". وهذا تسبيح وتنزيه لله سبحانه وتعالى .. والتسبيح والتنزيه لا يكونان إلا للكمال المطلق الذي لا تشوبه أية شائبة .. والكمال المطلق هو لله سبحانه وتعالى وحده لذلك صرف الله ألسنة خلقه عن أن يقولوا كلمة سبحانك لغير الله تعالى. فلا تسمع في حياتك أن إنسانا قال لبشر سبحانك. وهكذا صرفت السنة الخلق عن أن تسبح لغير الله سبحانه وتعالى. وقول الملائكة: "ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك" كأن نقول سبحان الله وبحمده. ومعناها تنزيه لله سبحانه وتعالى في ذاته .. فلا تشبه بذات. وفي صفاته. فلا تشبه بصفات وفي أفعاله. فلا تشبه بأفعال .. ولكن ما معنى كلمة وبحمده؟ معناها أننا ننزهك ونحمدك. أي يا رب تنزيهنا لك نعمة. ولذلك فأني أحمدك على أنك أعطيتني القدرة لأنزهك .. والتقديس هو تطهير الله سبحانه وتعالى من كل الأغيار. ولأنك يا ربي قدوس طاهر. لا يليق أن يرفع إليك إلا طاهر. ولا يليق أن يصدر عمن خلقته بيديك إلا طاهر.. إنه عرفنا معنى نسبح بحمدك ونقدس لك. ثم أراد الله بحكمته أن يرد على الملائكة فقال: "أني أعلم ما لا تعلمون" ولم يطلقها هكذا. ولكنه سبحانه أتى بالقضية التي تؤكد صدق الواقع | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 2:58 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 31 (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين "31") فالحق سبحانه وتعالى. رد على الملائكة بهذه الآية الكريمة. لأنه علم آدم الأسماء كلها .. وكلمة كلها تفيد الإحاطة. ومعنى الإحاطة معرفة كل شيء عن هذه الأسماء. هنا يتبادر سؤال: هل علم الله سبحانه وتعالى آدم الأسماء منذ ساعة الخلق إلي قيام الساعة مادام الحق سبحانه وتعالى يقول كلها. فما هو حكم تلك الأسماء التي هي لمخترعات ستأتي بعد خلق آدم بقرون طويلة؟ نقول إن الله سبحانه وتعالى. حين علم آدم الأسماء وميزه على الملائكة يكون قد أعطى ذلك الأدنى عنصر أعلى. فآدم مخلوق من طين. والملائكة مخلوقون من نور. وقدرات البشر لا تستطيع أن تعطي الأدنى شيئا أكثر من الأعلى. ولكن الله سبحانه وتعالى وحده هو الذي يعطي ذلك ليذكرنا أن ما نأخذه ليس بقدراتنا ولكن بقدرته هو سبحانه. ولذلك تجد سليمان وهو ملك ونبي .. أعطاه الله تعالى ملكا لا ينبغي لأحد من بعده. وميزه عن خلقه. يأتي الهدهد ليقول لسليمان: "أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين". كيف يحيط الهدهد وهو طائر ضعيف محدود بما لم يحط به سليمان وهو الملك النبي الذي حكم الإنس والجن؟ لأن الله سبحانه وتعالى .. يكره الغرور من خلقه. ولذلك يأتي بآية تميز الأدنى عن الأعلى ليعلموا جميعا أن كل قدراتهم ليست بذاتهم. وإنما هي من الله. فيأتي موسى وهو الرسول والنبي .. فيعلم من الخضر وهو العبد الصالح ما لم يكن يعلمه وقد خلق الله سبحانه المسميات وأن كنا لا نعرف وجودها وجعل الملائكة تتلقى أسماء هذه المسميات من آدم. وأن البعض يتساءل عن وسيلة تعليم الخالق الأكرم لآدم عليه السلام. وتعليم الخالق يختلف عن تعليم الخلق. لأن الخالق يعلم إلهاما. يقذف في قلب آدم أسماء المسميات كلها لكل ما في الكون من أسماء المخلوقات.. إذن فالمشهد الأول. لآدم مع الملائكة. كان قد تم إيجاد كل المسميات وألهمها الله لآدم. بدليل أن الملائكة لم تتعرف على هذه المسميات. بينما عرفها آدم. وهنا لابد لنا من وقفة. أن الكلام هو ناتج السمع. واللغة ناتج البيئة، والله سبحانه وتعالى علم آدم الأسماء. وهذا العلم لا يمكن أن يأتي إلا إذا كان آدم قد سمع من الله سبحانه وتعالى .. ثم نطق. فأنت إذا أتيت بطفل عربي .. وتركته في لندن مثلا .. فتراه يتكلم الإنجليزية بطلاقة .. ولا يفهم كلمة واحدة من اللغة العربية. والعكس صحيح. إذا أتيت بطفل إنجليزي. وتركته في بلد عربي. يتكلم العربية .. ولا يعلم شيئا عن الإنجليزية. إذن فاللغة ليست وراثة ولا جنسا ولا بيئة. ولكنها محاكاة يسمعها الإنسان فينطق بها. وإذا لم يسمع الإنسان شيئا وكان أصم فأنه لا يستطيع النطق بحرف واحد. فإذا كان آدم قد نطق بهذه الأسماء فلابد أنه سمع من الله سبحانه وتعالى.. والعجيب أن الطريقة التي علم الله سبحانه وتعالى آدم بها. هي الطريقة نفسها التي تتبعها البشرية إلي يومنا هذا. فأنت لا تعلم الطفل بأن تقص عليه الأفعال ولكن لابد أن يبدأ تعليمه بالأسماء والمسميات. تقول له: هذا كوب. وهذا جبل وهذا بحر. وهذه شمس. وهذا قمر. وبعد أن يتعلم المسميات. يستطيع أن يعرف الأفعال. ويتقدم في التعليم بعد ذلك .. وهكذا نتعرف على النشأة الأولى للكلام. وطلاقة قدرة الله سبحانه وتعالى علمت آدم الأسماء. وهنا نتوقف لنجيب عن سؤالين: الأول: إذا كان الله سبحانه وتعالى قد علم آدم الأسماء كلها. فهل كان فيها أسماء ما سيستجد من مخترعات في العالم؟ نقول: إنه حتى لو تعلم آدم الأسماء التي يحتاج إليها في أولويات الوجود ويستخدمها في متطلبات حياته على الأرض. فإذا جد جديد، فإن أولاد آدم يستخدمون هذه الأسماء من المقدمات والأسماء التي تعلموها. فما يجد في الوجود من أسماء. تدخل على اللغة. لم تأت من فراغ. وإنما جاءت من اللغة التي تنطق بها وتكتب بها. كذلك كل شيء في هذا الكون. لو أعدته الآن إلي أصله. تجد أن أصله من الله. فلو أعدت البشرية إلي أصلها لابد أن تصل إلي أن الإنسان الأول خلقه الله سبحانه وتعالى. ولو أعدت العلم إلي أصله. وكل علم يحتاج إلي معلم. نقول لك .. من الذي علم المعلم الأول. أليس من البديهي أن العلم بدأ بمعلم علمه الله سبحانه وتعالى. وكان هذا هو المعلم الأول .. إذن فالذي علم الأسماء لآدم هو الله سبحانه وتعالى. وهو علمها لأولاده علموها لأولادهم وهكذا .. يأتي السؤال الثاني: إذا كان الله هو المعلم للكلام. فلماذا اختلفت اللغات على الأرض وأصبح هناك ألوان من اللغات والألسنة؟ نقول أن تنوع فترات التاريخ وانتشار الإنسان على الأرض جعل كل مجموعة من البشر تقترب من بعضها لتكون لها لغة واحدة. وكل لغة موجودة مأخوذة من لغة قديمة. فالفرنسية والإنجليزية والإيطالية. مأخوذة من اللاتينية. والعبرية والسريالية لهما علاقة باللغة العربية. واللهجات التي يتكلم بها العالم العربي صاحب اللغة والواحدة، تختلف .. حتى أن لهجة الجزائر أو المغرب مثلا. تجدها مختلفة عن اللهجة المصرية أو السودانية. ولكننا إذا تكلمنا باللغة العربية فهم بعضنا بعضا، ولغة هؤلاء جميعا في الأصل هي لغة القرآن. وهي العربية. ولكن في فترات الوهن التاريخي الذي مر على العرب انعزلت البلاد العربية بعضها عن بعض ومضى كل مجتمع يأخذ اللغة كمظهر اجتماعي. فيسقط التفاهم بين اللهجات المختلفة. وهكذا علم الله سبحانه وتعالى آدم الأسماء كلها. ثم عرضها على الملائكة وقال لهم "أنبئوني بأسماء هؤلاء أن كنتم صادقين"؟ أي أن الله سبحانه وتعالى كرم آدم في العلم. وأعطاه علما لم يعطه للملائكة. ثم جعل آدم هو الذي يعلمهم أسماء مسميات لم يعرفوها. وهذا دليل على طلاقة قدرة الله سبحانه وتعالى. يفعل ما يشاء في كونه. وكما قلنا أن تمييز الأدنى عن الأعلى. لا يتم إلا بفعل الله وحده. ولكي نقرب هذا إلي العقول: هب أن إنسانا ضعيفا يريد أن يحمل حملا ثقيلا .. لا يقدر. وإذا كان هناك إنسان قوي يعينه فأنه لا يستطيع أن يعطيه من قوته ليحمل هذا الحمل. ولكن يعينه بأن يحمل عنه. أما الذي يستطيع أن يجعل هذا الضعيف قويا يمكنه أن يحمل هذا الحمل الثقيل فهو الله سبحانه وتعالى .. فالإنسان لا يستطيع أن يعطي إنسان آخر من قوته. ولكن الله وحده هو القادر على أن يجعل الضعيف قويا والقوي ضعيفا. وقوله تعالى: "أن كنتم صادقين" وهل يكذب الملائكة؟ أن الملائكة خلق من نور يسبحون الله. ويفعلون ما يؤمرون .. نقول أن قوله تعالى "أن كنتم صادقين" فيما قستم عليه الأحداث. أو فيما قلتموه ضربا بالغيب. ولو أن الملائكة قاسوا حكمهم على حكم جنس آخر كان في الأرض كالجن مثلا الذين خلقوا قبل الإنسان .. يقول الحق تعالى أنكم أخطأتم في قياسكم هذا. أو أن كنتم صادقين فيما تنبأتم به من غيب؛ فلا يعلم الغيب إلا الله تعالى. فالقياسان جانبهما التوفيق. وليس هذا طعنا في الملائكة. ولكنه تصحيح لهم. وتعريف لنا بأن الملائكة لا يعلمون الغيب. ولذلك فهم حينما قاسوا أو حكموا على غيب .. جانبهم التوفيق. لأن الله وحده هو علام الغيوب. والذي دفع الملائكة إلي أن يقولوا أو يبطنوا هذا الكلام هو حبهم الشديد لله تعالى .. وكراهيتهم لإفساد في كونه | |
|
| |
عابدة الرحمن
المساهمات : 102 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة الأربعاء أكتوبر 14, 2009 3:00 pm | |
| تفسير سورة البقرة - الآية: 32 (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم "32") هذه الآية الكريمة. توضح لنا أن الله سبحانه وتعالى هو المعلم الأول في الكون. وإذا كان لكل علم معلم. فإن المعلم الأول لابد أن يكون هو الله سبحانه وتعالى. وإذا كنا نشاهد في عصرنا ألوانا من العلوم .. فهذه العلوم من تفاعل العقل الذي وهبه الله تعالى للإنسان. من المواد التي وضعها الله تعالى للإنسان. من المواد التي وضعها الله تعالى في الكون بالمنطق والعلم الذي علمه الله للإنسان. أن كل الاختراعات والابتكارات أخذت وجودها من مقدمات كانت سابقة عليها. فالماء مثلا كان موجودا منذ الأزل. والشمس كطاقة تبخر الماء لتصنع منه سحابا. فإذا استخدم الإنسان الطاقة الحرارية في تبخير الماء واستخدم البخار كطاقة، فهناك قفزة حضارية في العلوم اسمها عصر البخار، وهو الذي كانت تسير به القطارات والآلات في المصانع. وغير ذلك. أن هذا التقدم في العلم، إنما هو نابع من وجود العلم والطاقة، وزاد عليهما القدوة العقلية للإنسان الممنوحة له من الخالق، التي جعلته يفكر في استخدام الطاقة الناتجة عن البخار، فإذا توصل الإنسان لمراقبة شجرة ساقطة وهي تتدحرج إلي الأرض لأن جذعها أسطواني. فأنه أخذ من نظام هذه الشجرة ما يصنع منه العجلة التي كانت تطورا هاما في تاريخ العلم .. إذن فساق الشجرة الأسطوانية هو الذي أعطى للإنسان فكرة العجلة، فإذا طور الإنسان استخدام البخار وصنع قطار يسير بالبخار. فهذا التطوير هو ابن للعلم السابق عن قدرة الطاقة الناتجة عن تبخير الماء. وكيفية صناعة العجلة .. فكل علم نابع من علم سابق .. يترابط مع إمكانات وهبها الله سبحانه وتعالى للإنسان. ولذلك عندما جاء الإسلام ليعرض العلم التجريبي أو المادي. جاء ليلفتنا إلي آيات الخالق في الكون. وطلب منا أن نتأمل في هذه الآيات .. ونعمل فيها العقل والإدراك. واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى:
{وكأين من آيةٍ في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون "105"} (سورة يوسف)
وهكذا يلفتنا الله جل جلاله إلي آياته التي في السماوات والأرض لنعمل فيها العقل والإدراك، لتستنبط منها ما يعطينا الحضارة .. أن القرآن يطالبنا بأن نواصل العلم الذي علمه الله لآدم. وإذا كان تاريخ العلوم يحمل لنا أخبارا عن قوم لم يكونوا مؤمنين ومع هذا سبقونا في العلم والاستنباط، فكان الواجب علينا نحن المؤمنين أن نتأمل آيات الله تعالى في الأرض. فنيوتن ـ الذي لاحظ قوة جاذبية الأرض ـ كان يراقب تفاحة تسقط من أعلى الشجرة وتصطدم بالأرض. فتوصل إلي قانون الجاذبية. وإذا أردنا أن نأخذ لمحة من علم الله الذي علمه لنا. فيكفي أن ننظر إلي النواة ففي هذه النواة الصغيرة نخلة كاملة. متى وضعت النواة في الأرض. نمت النخلة وأصبح لها وجود. ولكي نوضح هذا كله نقول إن كل علم مبني على نظريات. النظرية الأولى تؤدي إلي الثانية. والثانية تؤدي إلي الثالثة. وهكذا .. ولكن بداية كل هذه العلوم لم تبدأ بنظرية، ولكنها بدأت بما يسمونه البديهيات. أي الأشياء التي لا تحتاج إلي دليل. إنها الأشياء التي خلقها الله في الكون. وعلى هذه البديهيات بنيت النظريات الواحدة بعد الأخرى. حتى إذا أردت أن تعيدها إلي أصلها، فإنك تصل في نهاية الأمر إلي أن العلم الأول من الله سبحانه وتعالى، فالمعلم الأول علمه الله. والثمرة الأولى خلقها الله. وكل اكتشافات الإنسان منذ بداية الحياة وحتى قيام الساعة موجودة بالقوة. مثل النواة التي فيها النخلة. تنتظر التأمل والعمل. لتصبح اكتشافا بالفعل. والله سبحانه وتعالى وهو المعلم الأول .. وضع في كونه من العلم الكثير. ويحضرني قول الشاعر احمد شوقي حين قال:
سبحانك اللهم خير معلم أرسلت بالتوارة موسى مرشدا وفجرت ينبوع البيان محمدا علمت بالقلم القرون الأولى وابن البتول فعلم الإنجيلا فسقى الحديث وناول التنزيلا
وكان شوقي يصوغ في أبياته أن كل علم هو منسوب إلي الله وحده .. وهكذا يتضح لنا. أن قول الملائكة: "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم" يتضمن الاعتراف بأن العلم كله مرجعه إلي الله. فالله سبحانه وتعالى هو مصدر العلم والحكمة. وقوله سبحانه وتعالى: "العليم الحكيم" العليم أي الذي يعلم كل شيء خافيا كان أو ظاهرا. والعلم كله منه. وأما الحكمة فتطلق في الأصل على قطعة الحديد التي توضع في فم الفرس لتلجمه حتى يمكن للراكب أن يتحكم فيه. ذلك أن الحصان حيوان مدلل شارد. يحتاج إلي ترويض. وقطعة الحديد التي توضع في فمه تجعله أكثر طاعة لصاحبه. وكأن إطلاق صفة الحكيم على الخالق سبحانه وتعالى هو أنه جل جلاله يحكم المخلوقات حتى لا تسير بغير هدى. ودون دراية. والحكمة أن يوضع هدف لكل حركة لتنسجم الحركات بعضها مع بعض، ويصير الكون محكوما بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. والحكيم العليم. هو الذي يضع لكل كائن إطاره وحدوده. والحكمة هي أن يؤدي كل شيء ما هو مطلوب منه ببراعة. والحكمة في الفقه هي أن تستنبط الحكم السليم. والحكمة في الشعر أن تزن الكلمات على المفاعيل. والحكمة في الطب أن تعرف تشخيص المرض والدواء الذي يعالجه. والحكمة في الهندسة أن تصمم المستشفى طبقا لاحتياجات المريض والطبيب وأجهزة العلاج ومخازن الأدوية وغير ذلك. أو في تصميم المنزل للسكن المريح. وحكمة بناء منزل مثلا تختلف عن حكمة بناء قصر أو مكان للعمل. والكون كله مخلوق من قبل حكيم عليم. وضع الخالق سبحانه وتعالى فيه كل شيء في موضعه ليؤدي مهمته. ووصف الله تعالى بأنه حكيم يتطلب أن يكون عليما. لأن علمه هو الذي يجعله يصنع كل شيء بحكمة. وقد أعطى الله سبحانه وتعالى لكل خلقه من العلم على قدر حاجته، فليس من طبيعة الملائكة أن يعرفوا ماذا سيفعل ذلك الإنسان الذي سيستخلفه الله في الأرض. ولكنهم موجودون لمهمة أخرى .. وميز الله الإنسان بالعقل ليستكشف من آيات الله في الكون على قدر حاجة حياته. والحق سبحانه وتعالى يقول:
{سبح اسم ربك الأعلى "1" الذي خلق فسوى "2" والذي قدر فهدى "3" } (سورة الأعلى)
إذن فكل شيء خلق بقدر. وكل مخلوق ميسر لما هداه الله له.. | |
|
| |
| تفسير سورة البقرة | |
|